اراء وتحليلات

اليمن بين الدولة والعمامة

هز مقتل شابين على يد أفراد حراسة قبلية في العاصمة صنعاء المجتمع اليمنى بأسره? ق?ْتل الشابان حسن جعفر أمان 20 عاما? وخالد الخطيب 22 عاما? خلال مرور سيارتهما بالقرب من موكب زفاف قبليين? ونقل الشهود أن الحادثة وقعت بعد تعرض سيارة من المرافقين للموكب القبلى لسيارة الشباب والاصطدام بها? وترجل الشاب هشام القدسى ــ وهو الوحيد الذى نجا ــ ليسألهم ماذا يحدث? فبدأوا بضربه بالبنادق? ثم نزل الشهيد خالد من السيارة ليتدخل لإيقاف ضرب هشام فجاءت سيارة أخرى? وهى سيارة حكومية تحمل رقم «جيش»? من ضمن سيارات مرافقين قبليين أيضا? ونزل منها المرافقون دون أي سؤال? وبدأوا برمي خالد بالرصاص? وأثناء ضرب الرصاص هرب هشام. وعندما سقط خالد قتيلا? كان حسن متسمرا في مكانه في السيارة? وغطى وجهه بيديه من شدة الخوف? فتوجه المسلحون نحوه أيضا بالرصاص? وقتلوه في الحال.

هذه الرواية كما وصفها الشهود وأهالي الشهيدين نقلا عنهم. الشهيدان من أسر جنوبية لقيا حتفهما على يد قبليين في العاصمة صنعاء? هذه هي الصيغة التي تفضل بعض الوسائل الإعلامية تقديم الحادثة بها? بينما تحاول مصادر أخرى التركيز على اسم الشيخ القبلي المنسوب إليه أفراد الحماية? ربما بسبب صراعات قبلية? وفى الحالتين لا أجد أنى معنية بهويات وانتماءات الشهداء? فأيا كان القتيلان ومن أي منطقة وبأي هوية فإنهما يثيران نفس الحرقة والغضب? القضية أكبر وأعمق وهى قضية التغول والتبجح القبلي? وقتل الناس بدم بارد وعجز الدولة عن إخضاعهم لقانونها وسيطرتها.

وهى بالطبع أزمة وقضية اليمن منذ الأزل ومازالت? كما أن القضاء عليها ليس بالسهل? كيف لا? وهذه القيادات القبلية متعلمها كجاهلها ينتصر لها? فحين يكون الحديث عن القبيلة? كل أصوات أبنائها المنادين بالحقوق والحريات والمساواة تختفي? لتظهر حقيقتهم جلية بالترسيخ لتفوقهم وتمايزهم عن غيرهم من البشر? وكأنهم مخلوقون من تركيبة أخرى غير التي خلقنا منها!.

●●●

حتى الآن لم يقدم الأمن بادرة تشير إلى أن هناك دولة بالرغم من أن الجناة معروفون? على الأقل معروف أفراد الحراسة المرافقون لموكب العروس? فليتم استدعاؤهم والكشف عن مطلقي النار. وإذا كانت بالفعل الحادثة فردية كما يقول مشايخ القبيلة الذين يحاولون التأكيد على أنها مجرد حادثة عرضية? وأنا أصدقهم في ذلك? فليقدموا المتهمين للعدالة ويتركوهم ليحاسبوا على عملهم الفردي هذا? عوضا عن محاولات شراء دماء الناس وسكوتهم تحت مسمى الدية.

الحادث فردى نعم صحيح? لكن أفراد الحراسة لو لم يكونوا يعلمون أن وراءهم من سيبرر لهم أي عمل? ويخرجهم من أي مصاب كما تخرج الشعرة من العجين لما استرخصوا دماء الناس? وشيوخ القبيلة يرون في تسليمهم كسرا لهيبتهم أمام أتباعهم? لذا من الضروري أن يدعموهم في الباطل قبل الحق? حتى يبقوا أبد الدهر في أعينهم كبارا? فيلتزموا لهم بالطاعة العمياء? هذه هي معادلة القبلية بكل اختصار.

●●●

أما دور أهالي القتلة وأنصار الدولة المدنية أعداء الظلام والرجعية فهو الاستمرار في دعم تسليم المتهمين للعدالة? وعدم التفريط ليس في الدماء وحسب وإنما في حقنا جميعا في دولة متساوية سقفها القانون? القضية ليست قضية أسرة أمان والخطيب ولا قضية الجنوب فحسب? إنها قضية الدولة? القضية ليست الأولى ولا الأخيرة اليمن كل يوم يشهد العشرات وأكثر من القضايا المماثلة? لذا يتساءل البعض مشككا لماذا اليوم? ويسوقون في هذا المجال الاتهامات لكل من يناصر هذه القضية بالتحريض والدعوة للانفصال وغيرها? فنعود لنذكرهم بأننا بعد ثورة خرج أنصارها بالأساس يطالبون بدولة القانون? بدولة مدنية? أرجو أن تكون الإجابة وصلتكم? إن لم تكن شعارات الثورة قد بلغت مسامعكم.

باحثة وأكاديمية يمنية

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com