الثروة البحرية .. بين شباك الجشع؛ وقذائف الاحتلال!

بقلم/ ياسر مربوع
في سواحل اليمن الممتدة على أكثر من 2500 كيلومتر في البحرين الأحمر والعربي، كان البحر يومًا ما مصدر رزق لا ينضب، يعيش عليه أكثر من نصف مليون صياد يمني. لكن هذا البحر لم يسلم من لعنة الحرب ولا من مطامع الخارج، فقد تحول في السنوات الأخيرة إلى مسرح مزدوج للاستنزاف. الصيد الجائر من جهة، والعدوان الأمريكي من جهة أخرى، جعلا الثروة السمكية في اليمن تنهار بصمت، كما لو أنها ضحية مجهولة في حرب تُخاض فوق وتحت سطح الماء.
منذ بداية العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن في إطار الرد على عمليات القوات البحرية اليمنية التي دعمت غزة، لم تقتصر الغارات على المواقع العسكرية، بل طالت موانئ ومرافئ صيد ومنشآت حيوية على سواحل الحديدة وحجة. وتسبب القصف في تدمير عشرات القوارب، وتوقف عمل مئات الصيادين الذين وجدوا أنفسهم فجأة بلا مأوى ولا مصدر رزق، في بلد يعتمد الملايين من سكانه على الأسماك كمصدر رئيسي للرزق.
لكن ما فاقم المأساة أكثر هو توسّع نشاط شركات الصيد الأجنبية الجائرة، بعضها يحمل تراخيص غير قانونية أو يعمل تحت غطاء تحالفات مع قوى إقليمية ودولية لها نفوذ عسكري في البحر الأحمر. هذه الشركات استخدمت تقنيات صيد مدمّرة مثل الشباك العملاقة والجر القاعي، ما أدى إلى تدمير البيئات البحرية وتهديد عشرات الأنواع النادرة بالانقراض. في ظل غياب رقابة بيئية حقيقية على السواحل التي خرجت عن سيطرة صنعاء، تحوّلت المياه اليمنية إلى منجم مفتوح للنهب البحري المنظّم.
حكومة التغيير والبناء في صنعاء حذّرت مرارًا من أن ما يحدث هو عدوان اقتصادي يضرب اليمن في أهم مصادره السيادية، متهمة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا بالتواطؤ في حماية شبكات صيد غير مشروعة، بل والتغطية على انتهاكات بيئية تمس السيادة اليمنية ومصالح شعبه. وفي تصريحات رسمية، أكدت أن تدمير الموانئ والصوامع ومراسي الصيادين هدفه إخضاع اليمن وحرمانه من أي قدرة على التمويل الذاتي، خصوصًا بعد أن أصبحت العمليات البحرية اليمنية أداة ضغط حقيقية في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
ومع كل ذلك، لم تقف الجهات المختصة في حكومة التغيير والبناء مكتوفة الأيدي.حيث أطلقت وزارة الزراعة والثروة السمكية خلال الأشهر الماضية سلسلة من المبادرات لحماية ما تبقى من المخزون البحري، من بينها حملات تفتيش على طول الساحل الغربي، وبرامج توعية للصيادين المحليين، وتوثيق الجرائم البحرية لرفعها إلى المحاكم والمنظمات الدولية. كما تعمل الوزارة على تنظيم عمل الصيادين في إطار جمعيات وتعاونيات مهنية تسهّل الوصول إلى الدعم والتعويض.
وتلك جهود حثيثة ومهمة تقوم بها الجهات الرسمية في صنعاء؛ لادراكها أن البحر لم يعد فقط ساحة حرب عسكرية، بل أصبح أيضًا ساحة حرب اقتصادية وبيئية. وأن ما يحدث من صيد جائر وعدوان خارجي لا يهدد فقط الثروة البحرية، بل يهدد الأمن الغذائي والاجتماعي والاستقلال الاقتصادي لليمن بأسره.