كتابات

خطاب بومبيو في الشرق الأوسط : مجرّد وعود فارغة

بقلم / د. سهام محمد

سافر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى مصر حيث ألقى خطابًا في الجامعة الأمريكية في القاهرة. مطلقا على سياسة بلاده ” قوة الخير امريكا قوة جيدة في الشرق الاوسط”.لا يوجد الكثير في الخطاب الذي يدعم العنوان المطروح. قال بومبيو”

لأنني جندي مدرّب ، سأكون صريحا جدا ومباشرة اليوم: أميركا قوة جيدة في الشرق الأوسط.يجب أن نعترف بهذه الحقيقة لأننا إذا لم نفعل ذلك ، فإننا نتخذ خيارات سيئة – في الحاضر والمستقبل. يلقي بومبيو باللوم على أوباما وعلى على المتاعب التي سببها “لقوة الخير” حسب قوله مرددا اننا “نتذكر ، إنه هنا في هذه المدينة وقف أميركي آخر أمام هذا الجمع، لقد أخبركم أن الإرهاب الإسلامي المتطرف لا ينبع من أيديولوجية. و أن 11 أيلول / سبتمبر قاد بلدنا للتخلي عن مثلها العليا ، لا سيما في الشرق الأوسط. قال لكم إن الولايات المتحدة والعالم الإسلامي يحتاجان “بداية جديدة”. هذه الأخطاء في الحكم كانت لها نتائج كارثية. من خلال رؤيتنا زوراً كقوة مؤلمة في الشرق الأوسط ، كنا خجولين في أفعالنا مع مرور الوقت – وشركاءنا – طالبوا بالعكس. والخبر السار هو هذا: لقد انتهى عمر الخزي الأمريكي، وكذلك السياسات التي أنتجت الكثير من المعاناة غير الضرورية. الآن تأتي البداية الجديدة الحقيقية. يبدو ان بومبيو عازم على تشويه سياسات الادارة السابقة والتأكيد على تحميلها كل تبعات الفشل في الشرق الاوسط . بالتركيز على بيانات مزيفة وعبارات غير مثبتة وواضحة ربما لاقناع حلفاء امريكا المتأزمين اليوم أنّ ادارة ترامب قادرة على تحقيق ما يريدون، وهي مستعدة للمضي قدما في مشروع “تخريب” جديد وليس اصلاح، لان ادارة الاصلاح لا يمكن ان تنطبق على سياسات ترامب ولا مفهومه لكيفية ادارة الامور. حاول بومبيو في خطابه التركيز على مسألة مهمة وهي أنه”بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالقلق من استخدام القوة الأمريكية ، تذكروا: كانت أميركا دائما ، وستظل دائما ، قوة محررة ، وليست قوة احتلال. لم نحلم قط بالسيطرة على الشرق الأوسط”.

يتجاهل بومبيو مبدأ كارتر ، الذي لا يزال ساري المفعول ، والذي يتطلب الهيمنة الحصرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأنّ أي محاولة من قبل قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي ستعتبر هجومًا على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وسيتم صد هذا الهجوم بكل الوسائل الضرورية ، بما في ذلك القوة العسكرية. ثم واصل بومبيو في خطابه معلنا انه “عندما تنتهي المهمة ، عندما ينتهي العمل ، تغادر أمريكا. اليوم ، في العراق ، بناء على دعوة من الحكومة ، لدينا حوالي 5000 جندي ، في حين كانوا 166000 في السابق. كان هناك وقت عندما تمركز عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في المملكة العربية السعودية، الآن هذا الرقم هو مجرد جزء صغير”.

لابد من التذكير هنا أنه في عام 2011 ، رفض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التوقيع على اتفاقية وضع القوة التي كانت ستعطي حقوقًا خاصة للقوات الأمريكية في العراق. نتيجة لذلك ، اضطرت الولايات المتحدة للانسحاب من العراق. عادت بعض القوات لمحاربة الدولة الإسلامية( داعش) التي سمح أوباما بتطويرها لغرض غير معلوم وهو طرد المالكي. اليوم تطالب القوات المقاومة في العراق هذه القوات بالمغادرة. بعد حرب 1991 ضد العراق ، تعرضت المملكة العربية السعودية لضغوط من قبل الإسلاميين المتطرفين لطرد القوات الأمريكية الكثيرة في البلاد. لكن عدة آلاف ظلت حتى الآن. بعد الهجوم بالقنابل على برج كوبر عام 1996 ، اضطر الآخرون إلى المغادرة أيضا. في كلتا الحالتين ، لم يكن التقاعد ولا الانسحاب العسكري الامريكي طوعيًا.

استمر الخطاب في التركيز على خطر وجود ايران في المنطقة والمدح والثناء لإسرائيل. قال بومبيو” إن إدارة ترامب تريد تأسيس تحالف استراتيجي للشرق الأوسط ، وهو حلف شمال الأطلسي العربي سيتحالف مع إسرائيل”. لكن الواقع انه حلم خيالي ناتج عن جهل وسوء تقدير وهو أكيد محكوم بالفشل لا محالة.

واقعا، سياسات بعض الدول العربية شهدت تغييرات ملحوظة. فقد نشأت روابط جديدة لا يمكن تصورها حتى وقت قريب. فمن كان يظن قبل بضع سنوات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيزور مسقط؟ بعد موجة تطبيع علني مع الكيان الصهيوني بدأت في 1994 بزيارة رابينللاردن تلتها زيارات لبيريز وغيرهم. لذلك ربما من الطبيعي ان ينشأ مثل هذا الحلف الاستراتيجي المزعوم وان تكون اسرائيل هي رأس الحربة فيه، لكن من المؤكد ايضا انه حلف ساقط قبل ان يبدأ.

حاول بومبيو في خطابه ان يؤكد على مسألتين ،” أنّ أمريكا لن تتراجع حتى تنتهي الحرب ضد الإرهاب. وأن ترامب ينتظر من حلفاءه مزيدا من الدعم لتحقيق ذلك. من جانبنا ، ستستمر الضربات الجوية في المنطقة مع ظهور الأهداف،مع استمرار القتال ، سنواصل مساعدة شركائنا”.

يبدو واضحا تماما أنّ الدعم الامريكي للحلفاء العرب القلقون من النفوذ الايراني في المنطقة، مرهون بالدفع وبالانصياع لسياسة الابتزاز التي فرضها ترامب والتي حملها وزير خارجيته الى القاهرة في خطاب فاشل مسقط ، أهدافه واضحة، محاولة للتغطية على فشل كل السياسات الامريكية في الشرق الاوسط من خلال بث روح معنوية مزيفة في حلفاء باتوا اليوم اضعف من أي وقت مضى، باتوا اليوم مكبلين بالسلاسل، مهددة عروشهم، منزوعة سيادتهم. ملزمون بالتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني الغاصب، وبالوقوف في وجه دولة اسلامية ذات نفوذ اقليمي ودولي ووجود استراتيجي لم تستطع الولايات المتحدة ولا سياساتها الظالمة ان تقف في وجهه. فهل سيتمكن هذا الحلف الاستراتيجي المعلن فشله مسبقا ان يحقق انجازا في هذه المواجهة؟ الجواب مسبقا ، اكيد لا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com