كتابات

نوابنا طالبين الله

نزلت إلى مخيم “الجعاشن” في صنعاء …. استمعت لبعض من حكاياتهم المملوءة بالوجع والمآسي.. الواحدة منها تبتلع وطن .. كل واحد منهم يحمل قصة? أكثر من حزينة ودامية? وفي حلقه ألف غصة ذابحة..
عندما تسمع حكايتهم مع شيخهم ينتقل بك الحال والخيال بلمح البصر من مطلع الألفية الثالثة إلى ما قبل ألفين عام غابر..
زرتهم.. رمقت بعضهم..شهدت أطرافهم ترتعش جوعا وفاقة .. وجبة طعام واحدة في اليوم أو نصف وجبة هزيلة أو أقل من ذلك.. والبعض لا زال عليهم بها يمنون..
قلت لهم تعالوا لنموت سوية أمام مجلس النواب .. هذا المدعي .. العار على الوطن..
اعتصمنا وأضربنا عن الطعام? وكانت الأخت الشجاعة توكل كرمان كالعادة في الطليعة ..
قرابة يومين أمام المجلس.. إضراب عن الطعام لأكثر من ثلاثين ساعة.. وأغلب أعضاء مجلس النواب يأتون إلى المجلس وجل همهم هو أن يشقون بسياراتهم الفارهة وكروشهم الباذخة طريقا وسط حشد المعتصمين والمضربين عن الطعام..
ليس هذا المهم? ولكن المهم هو عدم طرح قضيتهم خلال جلستين عقدها المجلس? وليومين متتاليتين? وعند باب المجلس أطفال يتضورون جوعا? ونساء ورجال مضربون عن الطعام من أجل أن يصل صوتهم لأعضاء هذا المجلس المملوء بالإدعاء و”التمثيل” ..
نعم .. الفاجعة الصادمة أنه لم يطرح أحد الأعضاء قضيتهم في قاعة المجلس في تلك اليومين العصيبتين.. أكان من نواب الحزب الحاكم? أو من نواب أحزاب المعارضة.. ماذا يعني هذا?!!!
لم ينبس أحد أعضاء أحزاب المعارضة ببنت شفة عن قضية “الجعاشن” .. لقد كان صمتهم يبتلعني .. إنه صمت الخسة والمقابر .. كنت مصعوقا وغير مصدق لما يحدث .. سألت أحدهم والذهول يلبسني فقال لي: سقفنا محدود والجماعة الآن على وفاق..
لماذا لا يفرق أعضاء المعارضة في البرلمان بين السياسة وقضايا الحقوق والحريات! التي لا ينبغي أن تنال منها السياسة مساحة رأس قلم..
وللمدعين أيضا أقول : ها هي غزة في باب مجلسكم يا سادة.. تستصرخ ضمائركم.. فماذا أنتم فاعلون? لماذا لا يتكلم أحد منكم! وكأن في أفواهكم حجارة.. تذهبون لتبحثون عن غزة خلف التخوم البعيدة وتبدون أمام الدهماء أبطالا?ٍ لا يشق لهم غبار.. وها هي غزة الجعاشن على بوابة مجلسكم تستجير دامية.. فلا شهامة ولا مروءة ولا مجيب .. تكشف عورتكم وتفضح زيفكم وأمركم وما تدعون..
هل تعرفون يا سادة ماذا اكتشفت.. اكتشفت أنه لا توجد معارضة في مجلس النواب ـ ومن باب أحوط أقول معارضة حقيقية.. اكتشفت أن المعارضة في المجلس? في أغلبها? تمارس دور “التمثيل”.. إنها أسد في مفرشة.. اكتشفت أن المعارضة في المجلس داجنة .. اكتشفت أن أفضل حال المعارضة ناعم جدا كالحرير? وسقفها في أعلاه لا يزيد عن ثلاثة سنتمترات? وهو أقل بكثير من ارتفاع كعب حذاء امرأة في البرلمانات الديمقراطية..
اكتشفت أن أعضاء الحزب الحاكم في البرلمان مجرد طالبن الله لا أكثر .. نعم طالبين الله ـ يجمعون زلط ـ وهكذا حال أكثر المعارضة..
اكتشفت تماهي عجيب بين السلطة والمعارضة في مجلس النواب? والمساحة المتاحة لأعضاء الحزب الحاكم والمعارضة معا? وفي أفضل حال? لا تزيد عن مساحة طاولة لعبة الشطرنج .. وهم في المحصلة ليسوا حتى لاعبين مبتدأين? بل تجدهم مجرد قطع شطرنج يلعب بها الحاكم? ويلهوا بها مع نفسه تسلية ومتعة? وكيفما شاء ..
لست بطلا ولا أكتب هذا لأدعي? ولكنها حقيقة تأكدت لي مرارا وأثقلني حملها حتى كاد ظهري ينقسم أربعة..
سبع سنوات خلت مملوءة بالكآبة والتمثيل .. وكل ما أعمله هنا أني أحاول أقدم هذه الحقائق للناس كما هي مريرة وقاسية ? ليعرفونها? ولا بأس أن أدفع ضريبة تبعات قولها.. سينتقم مني لؤمهم وخستهم الباذخة ? ولكن تظل الحقيقة أهم وأكبر من الجميع..
قليلون جدا جدا هم من يحاولون الخروج من هذا الأسر المميت ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com