اراء وتحليلات

علي وِلْد زايــد… أسطورة الشخصية، وبلاغة الأقوال والأمثال

بقلم/ محمد علي ثامر

قد يفاجئك جدك أو شيخ كبير في السن بمثالٍ بليغٍ وحكمةٍ مأثورةٍ من أمثال وحِكم علي بن زايد.. تحتار في بلاغة المقال وعمق المعنى والمفهوم والتي تشبه إلى حدٍ ما أقوال وحِكَم أرسطو وأفلاطون وسقراط في العصر القديم، وبين كتب ومحاضرات تشارلز ديكنز وسكوت وات وإبراهيم الفقي في عصرنا الحاضر.. وحقيقة القول إننا أمام فيلسوفٍ يمنيٍّ نادر، عالم فلكيّ دقيق في ترصد الظواهر الطبيعية والفصول، تُرجمان للنجوم والمعالم الزراعية، أسس بذلك فلسفةً شعبيةً يمنيةً خالصة، إننا في جمهورية علي بن زايد، في ظل حُكُمه ومدنه الفاضلة، وشعبيته النابعة من وسط قلوب وعقول اليمنيين، من حبهم وعشقهم للأرضِ والخيرِ واليُّمنِ والبركات.
 
 ويصفه الشاعر اليمني الكبير/ عبدالله البردوني بالقول: «إذا عرفنا أنَّ (علي بن زايد) هو كل الشعب اليمني، وأن زمانه هو كل الأزمان، كما أن قريته هي كل القرى، لأنه عبَّر بكل لهجات الكل، ولا يعبر بلهجات كل الشعب إلا كل الشعب، على أن الحكايات التي أنطقت (علي بن زايد) هي بعض يوميات الناس»(1) ومما سبق فإن علي بن زايد هو في كل بيتٍ من بيوت اليمنيين، في كل حقلٍ من حقولهم، في كل سهلٍ ووادٍ وجبل، في الذرى الشاهقة والمدرجات الزراعية، في الريف والحضر، ينشد أحلام وآمال اليمنيين، ينهض من أوجاعهم وآلامهم، يقف مع صغيرهم قبل كبيرهم، يعلِّم ويدَّرِس ويُدرِّب الناس مواقيت ونجوم زراعتهم وحصادهم.
فالتراث الشفهي (اللامادي) في اليمن غنيُّ بتفاصيله وأنواعه، فالزوامل(2)، والبالة(3)، والمهاجل(4)، والأهازيج(5)، الأغاريد، الترانيم، الأغاني الشعبية، وأغاني ألعاب الأطفال، الحكايات، والأمثال(6)، وغيرها من أصناف ألوان التراث الثقافي والأدب الشعبي، والتي حافظ عليها اليمانيون جيلاً بعد جيل في الريف أو الحضر برغم محاولات القضاء على تراثنا الثقافي وموروثنا الحضاري.. ولعلنا هنا سنتكلم عن جزئية من هذا التراث العظيم والمتمثل بالأمثال الشعبية التي يتداولها الناس في حياتهم، في مأكلهم ومشربهم، في زراعتهم وحصادهم، وبطلها هو الحكيم والفيلسوف اليماني/ علي بن زايد والتي دفعَّت جزالة ودقة وبلاغة أقواله وأمثاله وأعرافه بالمستشرق الروسي/ أناطولي اغار يشيف لكتابة كتابٍ باللغتين العربية والروسية عنونه بـ(أحكام علي بن زايد)، ورتَّب فيه هذه الأقوال والحِكَم، وفصلها في أبوابٍ ومواضيع منسقة ومحددة، بل وحاول وزنها على ضوء علم العروض للخليل بن أحمد الفراهيدي، ولكن أقواله وحِكمه لم يتم التطرق لها من قبل الأدباء والشعراء والكُّتاب اليمنيين والعرب ولم تخضع للبحث والدراسة والتقنين؛ إلا من بادرةٍ حسنةٍ للمرحوم الشاعر اليمني الكبير/ عبدالله البردوني الذي أفرد فصلاً كاملاً في كتابه «فنون الأدب الشعبي في اليمن» عن حكيم الشعب علي بن زايد، تناول فيها الخلفيات الحكاياتية لبعض أمثاله، أعرافه، حكميَّاته، شعريته، كما عنون ديواناً شعرياً له – للبردوني – بـ(رجعة الحكيم ابن زايد)، كما دوَّن العميد المتقاعد/ يحيى بن يحيى العنسي بعضاً من أقواله الخاصة بالمواقيت الزراعية في كتابٍ أصدرته بمناسبة صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م(7) ولكن؟!!! يعتبر علي بن زايد بحراً من الأقوال والحِكَم، ومن الفلسفة الغريبة والعجيبة، التي لم تكتشف بعد.
فمن هو هذا الحكيم المطمور والمغمور؟!
علـي بـن زايـد، الحكـيم والفيلـسوف، الأديـب والشاعر الأسـطـورة، الـعـالـم الفـلـكـي والنفســي، الخبـير والمُعلِّـــم الزراعــــي، أحـــد أشهـــر الحكمـــاء اليمنيـــين، بـــل أكـــثرهــم ذكـــاءً ودهـــاءً وحـــذقـــا، وافـــر الأمــثـال والحِــكَم والأعــراف التـي تتـــــداولها أجـيال تلو الأجيال، وعصور بعـــد العصور والأزمـــان، فهـــو ابـــن الماضــــي ورفيـــــق الحــــــــاضر وصديق المستقبل.
حاولت البحث في العديد من المراجع والمؤلفات عن تحديدٍ دقيقٍ لشخصية الحكيم اليماني علي وِلْد زايد، وتحديد أين ولد وأين مات؟ وأين عاش وتربى وفي أي العصور كان؟ من أي الأسر أو إلى أي القبائل ينتسب؟ لكن محاولتي تلك باءت بالفشل، كون معظم أقواله لم توثق توثيقاً إلكترونياً ومكتبياً وحفظت بطرقٍ تقنيةٍ عصرية، وإنما وثقت من قبيل الصدفة فقط، من ذاكرة الناس، الأميين والمتعلمين على حدٍ سواء، نظراً لارتباطها والتصاقها الوثيق بالأرض والزراعة والفلاحة والعادات والتقاليد وأحوال الحياة وتصاريفها، ولعل التراث الشفهي اللامادي منتشر في اليمن بكثرة، ويتعرض للاندثار والضياع بصورةٍ كبيرةٍ، وقد أورد المؤرخ اليمني أبو العــــز مسلم اللحجي صاحب كتاب «طبقات المطرفية»: (إن قلة الرغبة لدى أهل اليمن في إحياء ما يكون في بلادهم وأهلها من الأخبار والآثار، وأنه قد كان في اليمن من المحاسن الحسنة في أخبار الدنيا، في الجاهلية والإسلام، ونوادر العجائب التي قد دوَّن أهل العراق والحجاز ومصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com