كتابات

المبيدات المهربة .. خطر داهم يهدد المجتمع

بقلم/ رشيد الحداد

مؤخراً تم إثارة ملف المبيدات الزراعية الفتاكة في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع، حتى شعر البعض بأن مشكلة اليمن تتركز في هذا الملف المعقد والخطير فعلاً،
ولكن أحياناً هناك من يحاول خلط الأوراق ويتعمد استغلال أي قضية مثارة وان كانت مقاصد الحملات الإعلامية نبيلاً وإنسانياً والهدف وضع حد لتهريب المبيدات الزراعية القاتلة والخطيرة على صحة الإنسان اليمني، ووقف تداعياتها الاقتصادية أيضاً .
لذلك ما أثير مؤخراً حول تجارة المبيدات يعد أحد أهم الملفات التي يجب الوقوف أمامها بجدية بعيداً عن التوظيف المناطقي أو السياسي، بل أن يقف الناس أمامها كمشكلة ارقت الجميع وتسببت بفقدان الآلاف من أرواح الأبرياء بشكل سنوي، وان كانت النيابة العامة ووزارة الصحة جهات مسؤولة عن وقف جريمة تهريب المبيدات الزراعية إلى أسواقنا واريافنا، فإن الجهة المعنية التي يجب أن تقدم الحلول والمعالجات الحقيقية من منطلق تخصصها هي وزارة الزراعة، يضاف إلى مراكز البحوث الزراعية التي يجب أن يكون لها دور في كشف التداعيات السلبية على القطاع الزراعي بطرق علمية واقتراح البدائل والحلول، يضاف إلى أن ضرورة تفعيل الإرشاد الزراعي لتوعية المزارعين بمخاطر الاستخدام العشوائي للمبيدات المسموح باستيرادها لأغراض زراعية مثل مكافحة الآفات الزراعية وغيرها .
مشكلة المبيدات الزراعية شديدة التعقيد نتيجة استمرار اختراق الأسواق بمبيدات مهربة مجهولة المصدر وقاتلة من قبل مهربي المبيدات ، الذين يساهمون في استنزاف العملة الصعبة أيضا وتسخير عشرات الملايين من الدولارات في استيراد مبيدات لا يسمح باستخدامها في الدول المصدرة ، وما يجب التأكيد عليه، إن المبيدات المحرمة تستخدم في رش القات ولا تستخدم في زراعة الفواكه والخضروات اليمنية، لان هناك من يسيئ لسمعة المنتج الزراعي بدون قصد ولا يدرك ان هناك كميات كبيرة من منتجاتنا الزراعية تصدر للخارج، وتحظى بقبول كبير من قبل المستهلك العربي، لجودتها العالية ومذاقها الفريد، لذلك يجب أن نحرص على تعزيز ثقة المستهلك اليمني والعربي بمنتجاتنا الزراعية ونقف إلى جانب المزارعين الذين يتكبدون خسائر كبيرة نتيجة غياب سياسة تسويق محلية واستمرار التسويق التقليدي في ظل عدم وجود آليات للحفظ والتبريد والتسويق الحديث الذي يساهم في رفع الجدوى الاقتصادية للمزارعين ويسهم في حفص التالف من المنتجات الزراعية المختلفة .
.حتى الآن ليس هناك احصائيات دقيقة لحجم ونوع المبيدات الزراعية المتواجدة في السوق، فما يتم الإعلان عنه من قبل وزارة الزراعة يتمثل بالمبيدات التي يتم استيرادها بموافقة رسمية، فأكثر من مصدر يشير إلى أن ما يتم استيراده رسميا من المبيدات يصل نحو ١٤ الف طن سنوياً و أنّ عدد أنواع المبيدات الزراعية المصرح بها تبلغ 2778 اسمًا تجاريًّا، بحسب إدارة وقاية النبات التابعة لوزارة الزراعة، بينما كان عدد الوكلاء المصرح لهم باستيراد المبيدات ٥٢ وكيلا و٨٠٠ تاجر مرخص له بمزاولة تجارة المبيدات عام ٢٠١٠، وان كان بعض المبيدات يسمح باستيرادها لمكافحة الآفات الزراعية الموسمية، فإن هناك كميات كبيرة من المبيدات القاتلة تفوق ما يسمح باستيراده تدخل البلاد بطرق غير رسمية عبر شبكات تهريب منظمة، وتباع بعيداً عن أعين الرقابة. . فهذه التجارة القاتلة ليست وليدة اللحظة بل تمتد إلى عقود زمنية، ولكن اضرارها على الصحة العامة تصاعدت بشكل لافت مؤخراً، وأصبحت فاتورة التغاضي عن هذا الملف كبيرة على الصحة العامة، وعلى التنمية الزراعية وعلى الاقتصاد ككل، ومن خلال تداعيات المبيدات المهربة على صحة الإنسان خاصة وأن ضحاياها هذه المبيدات القاتلة من الأطفال والنساء والشيوخ ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة خلال السنوات القليلة الماضية، فنتيجة لهذه الجريمة ارتفع اعداد المصابين بالأمراض القاتلة مثل السرطان الذي تجاوز ضحاياها ٧١ ألف ضحية خلال العامين الماضيين، واصبحت المبيدات العامل الأول للإصابة بهذا الطاعون الفتاك، وكون شجرة القات التي تتجاوز نحو ٢٥٠ مليون شجرة في البلاد وفق الاحصائيات الرسمية هي المصدر الأول لاستهلاك نحو ٧٥% من المبيدات الزراعية المهربة ، فإن انتشار سرطان الفم لدى كبار السن وكذلك سرطان المعدة وسرطان الكبد سببها المبيدات التي تصدر عبر نبتة القات ، ولم يتوقف خطرها على صحة الإنسان عند هذا الحد ، بل تعد مصدراً أساسياً للإصابة بفيروس الكبد بنوعية ، وثبت وفق دراسات أنها مسؤولة عن اصابة الأجنة في بطون الأمهات بالتشوهات ، بمعنى أن اضرار هذه المبيدات القاتلة تؤكد أن مهربي المبيدات يرتكبون جريمة كاملة الأركان مع سبق الاصرار بالأذى بالناس ، كونهم يدركون أن تلك المبيدات قاتلة وتستورد معظمها من الكيان الإسرائيلي ، وتدخل عبر خليج العقبة وتتولى عصابات مافيا بحرية نقلها إلى السواحل اليمنية ومنها يتم إدخالها عبر طرق تهريب داخلية من قبل شبكات تهريب محلية تنشط معظمها في سواحل المخا ورأس العارة والسواحل الممتدة من المخا وحتى راس عمران ، وتوزع على نطاق واسع في الارياف بعيداً عن أعين الرقابة ، بل تصل تلك المبيدات إلى مناطق نائية عبر طرق بدائية غير معبدة فيتم استخدامها بطرق عشوائية ودون دراية بمخاطرها على الصحة العامة للمزارع وعلى التربة الزراعية وعلى النظام البيئي ككل .
لو عدنا إلى بيانات مراكز الأورام السرطانية في الجمهورية لخمس سنوات ، سنجد أن معدل الإصابات بالسرطان بأنواعه ينتقل من مديرية لأخرى وجميعها نائية وبعيدة عن المناطق الحضرمية ويمثل النشاط الزراعي فيها المصدر الأساسي ، وكأن تجار المبيدات القاتلة يوزعون الموت في المناطق الريفية والقرى بقصد ويحاولون نقل السموم القاتلة من منطقة إلى أخرى من عام لآخر لإدراكهم انها قاتلة .
اخيراً.. نتطلع إلى تشكيل لجنة لمكافحة وتقنين استيراد المبيدات تشارك فيها عدد من الجهات الخاصة بالبيئة والصحة العامة من جانب، لإعادة النظر في استيراد المبيدات ووضع ضوابط مشددة على إستيراد بعض الأصناف لمكافحة الآفات الزراعية، وتشديد الإجراءات على تجارة المبيدات بشكل كلي ووضعها تحت الرقابة، واتخاذ إجراءات صارمة ضد مهربين المبيدات الزراعية السامة في مختلف المحافظات الحرة، وتوعية المزارع بمخاطر استخدام أي مبيدات مجهولة المصدر، وتحميل تجار الموت مسؤولية إتلاف اي كميات يتم القبض عليها، خاصة وأن عملية التخلص من هذه المبيدات مكلفة وتحتاج مبالغ مالية كبيرة في عملية إتلافها تفوق كلفة استيرادها بأضعاف كبيرة ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com