كتابات

العمليات البحرية ومشاريع التطبيع

بقلم / محمد الصالحي*

منذ عقود مضت احتدم التنافس الدولي والإقليمي للتواجد في البحر الاحمر الذي يمتلك أهمية استراتيجية كبيرة، نظراً للموقع الجغرافي الذي يتمتع به فهو يربط بين بحر العرب والبحر المتوسط عبر مضيق باب المندب وقناة السويس وهو ما جعله محل أطماع القوى الدولية الطامعه في السيطرة على حركة الملاحة البحرية في العالم.
وقد ارتبط البحر الاحمر بالأمن القومي الإسرائيلي منذ نشأة الكيان حيث يقول بن غيريون اول رئيس وزراء للكيان ( أنني احلم باساطيل داوود تمخر عباب البحر الاحمر)
ولهذا الأهمية كانت الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية تسعى الي أن يكون لها منفذ على البحر الاحمر فاحتلّ كيان العدو الصهيوني قرية أم الرش راش المصرية (ميناء إيلات) عام 1949م.
وتهدف اسرائيل من تواجدها في البحر الاحمر الي كسر الحصار عليها والخروج من عزلتها ولتدعيم أهمية ميناء أم الرش راش ( ايلات) المنفذ الوحيد لها على البحر الاحمر.
وقد اتخذ التواجد الإسرائيلي في منطقة البحر الاحمر أشكالاً مختلفه منها التواجد المباشر والتواجد غير المباشر من خلال تطبيع العلاقات مع دول القرن الافريقي
فقد نجح في استثمار علاقته مع إثيوبيا قبل انفصال إريتريا عنها، بالحصول على جزيرة دهلك في البحر الأحمر عام 1975م ليقيم أول قاعدة عسكرية، وتلا ذلك استئجار جزيرتي «حالب وفاطمة»، ثم سنشيان ودميرا.
كما أن التواجد الإسرائيلي في البحر الأحمر يؤثر تأثيرا مباشرا على الأمن القومي للجمهورية اليمنية، في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وعلاقاتها بجيرانها من دول القرن الإفريقي خاصة. ففي عام 1995م وبإملاء ودعم من الكيان الصهيوني قامت إريتريا باحتلال جزيرة حنيش اليمنية، لتشهد بعدها منطقة جنوب البحر الأحمر نشاطاً عسكرياً للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية بهدف إنشاء محطة مراقبة لاسلكية فيها لمراقبة السفن في الممرّ لما تملكه من موقع استراتيجي يضمن اتصالات بحرية وجوية بأفريقيا والشرق الأقصى.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، عززت الولايات المتحدة الأمريكية ثقلها في منطقة البحر الأحمر بحجة حماية طرق الملاحة الدولية في إطار حملتها على ما سمّي (الحرب ضدّ الإرهاب)، فأصبح هناك تمركز صهيوني إلى جانب التمركز الأمريكي في أرض الصومال وجيبوتي.
ومع اللحظات الأولى لانتصار ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر استشعر الكيان الإسرائيلي خطورة احكام السيادة الوطنية على السواحل اليمنية وخاصة مضيق باب المندب.
لذالك كان من الاهداف الرئيسية للعدوان على اليمن السيطرة على مضيق باب المندب والسواحل والجزر اليمنية، لإقامة القواعد العسكرية في الجزر اليمنية وأبرزها أرخبيل حنيش وميون ، وجزيرة سقطرى للسيطرة عسكرياً ونارياً على الممر الدولي للملاحة البحرية بين شرق آسيا وأفريقيا.
ومع انطلاق عملية طوفان الأقصى وامعان العدو الإسرائيلي في ارتكاب المجازر ضد أبناء قطاع غزة دخلت القوات المسلحة اليمنية على خط المواجهة لتغير مجريات المعركة فقد طالت الصواريخ اليمنية ميناء أم الرش راش وقامت القوات البحرية اليمنية بعمليات ملاحقة ومطاردة للسفن الإسرائيلية في البحر الاحمر حتى تمكنت من احتجاز سفينة نقل اسرائيلية، وبذلك فإن دخول اليمن لخط المواجهة المباشرة مع الكيان الإسرائيلي يزيد من المخاطر المتوقعه على تواجده في منطقة البحر الاحمر والقرن الإفريقي ويصعب حركته البحرية بين المحيط الهندي والبحر المتوسط مما يزيد من تكاليف نقل البضائع التجارية أضعافاً مضاعفه، ويصبح ميناء أم الرش راش ( ايلات ) مهدداً بالاغلاق وسيضطر الي استخدام الموانئ المطلة على البحر المتوسط والتي هي الأخرى ليست في مأمن من أن تصلها صواريخ فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية وبالتي سيفرض حصار بحري على الكيان الإسرائيلي وذلك بخروج موانية عن الخدمة بسبب الاستهداف لها، مما سيؤدي إلي قبوله بشروط فصائل المقاومة الفلسطينية بفك الحصار عن قطاع غزة مقابل عدم استهداف موانية.
كما أن تواجده العسكري في البحر الاحمر لن يكون ذا فائدة فلا هو استطاع حماية سفنه من الاستهداف ولا استطاع تأمين شريانه الحيوي ميناء أم الرش راش (ايلات) المطل على البحر الاحمر.
مما يؤدي إلى إصابة الاقتصاد الإسرائيلي بالشلل مما يجعل الكيان يبحث عن البدائل والتي سيكون منها أن لم يكن أولها الممر الهندي الذي يتطلب تطبيع العلاقات بين إسرائيل وال سعود.

*وكيل محافظة شبوة وباحث في العلاقات الدولية والإقليمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com