كتابات

مشروع التقسيم والانفصال: مخالب التفتيت تمزّق جسد اليمن الواحد

بقلم/ عبدالملك فضائل

عندما تحققت الوحدة اليمنية في مايو 1990، احتفل اليمنيون شمالاً وجنوباً بانصهار تاريخي لوطن مزّقته عقود من التقسيم والصراع. لكن هذا الإنجاز العظيم تحوّل اليوم إلى هدف لمؤامرة كبيرة، تُحاك خيوطها في غرف عمليات خارجية، وتُنفّذ بأيدي محلية خائنة، لتتحول الوحدة من حلم جامع إلى ساحة معركة تُرسم فيها خرائط جديدة للتقسيم والتفكيك.
أولاً: بذور التقسيم.. من الحوار الوطني إلى الخطط الدولية
لم يكن مشروع التقسيم وليد اللحظة، بل كانت بذوره الأولى تزرع في مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014)، حيث تم تبني فكرة “الدولة الاتحادية” من قبل بعض الأطراف السياسية، وخاصة تلك المقربة من النظام السعودي آنذاك. تم الترويج للمشروع تحت عناوين برّاقة مثل “اللامركزية” و”تلبية مطالب المناطق” وكذلك “أقلمه”، لكنه في جوهره كان يمهد لتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، بعضها ضعيف ومفكك، ليكون فريسة سهلة للهيمنة الخارجية.

وقد أشارت تحليلات عدة إلى أن هذه “الفيدرالية” كانت مشروعاً سعودياً أمريكياً بامتياز، يهدف إلى إضعاف الدولة المركزية وتفكيك النسيج الوطني.

ثانياً: الأيادي الخفية.. من يدير لعبة التقسيم؟
يقف وراء مشروع التقسيم والانفصال تحالف مصالح استراتيجي دولي وإقليمي:
– الولايات المتحدة وبريطانيا: تتبنى واشنطن ولندن رؤية جيوسياسية تقوم على تفكيك الدول الكبيرة في المنطقة إلى كيانات صغيرة ضعيفة، يسهل التحكم بها ونهب ثرواتها. فجنوبب اليمن، بموقعه الاستراتيجي على باب المندب وثرواته النفطية والغازية، يمثل هدفاً رئيسياً. اللقاءات السرية، مثل المؤتمر الذي رعته الخارجية الأمريكية في التشيك لمناقشة تقسيم اليمن، تكشف حجم التخطيط الممنهج.
– السعودية والإمارات: رغم كونهما طرفَيْن في “تحالف العدوان”، إلا أن لكل منهما أجندته التقسيمية الخاصة. فالسعودية تفضل مشروع “الفيدرالية” أو “الأقاليم” الذي يحافظ على شكل وحدة هشة، بينما تدفع الإمارات بقوة نحو مشروع الانفصال الكامل عبر دعمها المطلق “للمجلس الانتقالي الجنوبي”، سعياً لإنشاء كيانات تابعة لها على السواحل اليمنية الحيوية. هذا الصراع الخفي بين الرياض وأبوظبي،”يتغذى على الموارد والحوافز التي يتم تداولها في سياق التنافس بين الرياض وأبوظبي.”
– العدو الإسرائيلي: وهو اللاعب الأكثر خطورة وصمتاً، حيث تظهر أطماعها المعلنة حديثاً في السواحل الجنوبية لليمن وجزره الاستراتيجية.

ثالثاً: الوجه القبيح للتقسيم.. أهداف ومخاطر
– إضعاف اليمن وإخضاعه: الهدف الرئيس هو تحويل اليمن من دولة ذات سيادة إلى إلى حديقة خلفية متناحرة، تعتمد بشكل كلي على الرعاية الخارجية، مما يمكن القوى الدولية من التحكم بمقدراته وقراره الوطني.
– نهب الثروات: تقاسم النفوذ على منابع النفط في حضرموت وشبوة ومأرب، والتحكم بشبكة الموانئ الجنوبية.
– تفجير الصراعات الداخلية: تحويل الاختلافات المحلية إلى صراعات دموية، كما يحدث اليوم بين مكونات الجنوب نفسه، حيث تحولت عدن من رمز للوحدة إلى ساحة اقتتال بين فصائل مدعومة خارجياً وآخرها ما حصل في حضرموت.
– القضاء على الهوية الوطنية: تحطيم الإحساس بالانتماء لليمن الكبير، واستبداله بانتماءات ضيقة، ما يسهل عملية الاحتواء والسيطرة.

رابعاً: العدو الإسرائيلي وباب المندب.. الحلم التوسعي على أنقاض اليمن
لم تعد الأطماع الصهيونية في اليمن سراً. فهي تعلن صراحة عن رغبتها في الحصول على موطئ قدم في الجنوب اليمني، خاصة جزيرتي سقطرى وميون (بريم)، للتحكم الكامل بمضيق باب المندب، شريان التجارة العالمي بين الشرق والغرب. وثّقت التقارير لقاءات سرية بين مسؤولين إسرائيليين و”خبراء” سعوديين مثل أنور عشقي، ناقشوا فيها مستقبل التعاون في المنطقة، وربطوا استغلال ثروات الربع الخالي بتحقيق “السلام مع العدو الإسرائيلي إسرائيل” وآخرها ما كشفته صحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية عن زيارة فريق تابع لها إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة تحالف العدوان جنوبي اليمن.

خامساً: البحر الأحمر.. البحيرة التي يعسى العدو الإسرائيلي للسيطرة عليها
يسعى العدو الإسرائيلي بخطى حثيثة لتحويل البحر الأحمر إلى “بحيرة صهيونية”، عبر:
– تعزيز وجودها العسكري والأمني في المنطقة.
– بناء التحالفات مع دول القرن الأفريقي مثل إثيوبيا وإريتريا.
– استغلال الصراعات الداخلية في اليمن لشرعنة وجودها تحت ذرائع أمنية أو إنسانية.
– السعي للحصول على قواعد عسكرية أو تسهيلات لوجستية على الجزر اليمنية.

سادساً: تداعيات السيطرة على باب المندب
إذا تمكن العدو الإسرائيلي من فرض هيمنتها على باب المندب، فإن ذلك سيعني:
– خنق اليمن: التحكم بتجارته وإمداداته البحرية كأداة ضغط سياسي.
– تهديد الأمن القومي العربي: سيصبح الممر المائي الحيوي تحت سيطرة دولة عدوة، ما يهدد حركة تجارة ونفط دول الخليج ومصر.
– التدخل في الشؤون الداخلية: استخدام الورقة البحرية للتدخل في الصراعات الإقليمية وابتزاز الدول المطلة على البحر الأحمر.
– عسكرة البحر الأحمر: تحويله إلى ساحة سباق التسلح ومواجهات محتملة، ما يهدد استقرار المنطقة بأسرها.

سابعاً: مواجهة المشروع.. كيف نحمي البحر الأحمر واليمن؟
الدفاع عن البحر الأحمر ووحدة اليمن يتطلب استراتيجية عربية وإسلامية متكاملة:
– دعم سيادة الدول الساحلية: احترام وحدة وسيادة اليمن والسودان والصومال وجيبوتي وإريتريا، ورفض أي وجود عسكري أجنبي غير مطلوب من دولها.
– فضح المخططات الصهيونية: توثيق ونشر كافة الأنشطة والتطبيع الخفي الذي يقوم بها العدو الإسرائيلي في المنطقة.
– تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي: بين دول المنطقة لمراقبة ومجابهة أي تحركات تهدد أمن الممر المائي.
– تمكين اليمن الموحد: الدعم الحقيقي يجب أن يكون لليمن القوي الموحد القادر على حماية سواحله وجزره، وليس للكيانات الانفصالية الضعيفة التي ستفتح الباب أمام النفوذ الأجنبي.

خاتمة:
الوحدة.. البوصلة الوحيدة للخلاص
اليمن اليوم على مفترق طرق تاريخي: إما الاستسلام لمشاريع التفتيت التي تدفع بها قوى العدوان وعملاؤها، والتي لن تنتج سوى دويلات فاشلة تعيش على فتات المحتلين، وإما التمسك بوحدته الوطنية التي صاغها الدم والتضحيات. التجربة أثبتت أن كل المشاريع الخارجية، لم تجلب سوى الدمار والخراب والتمزيق لليمن.
الطريق الوحيد لإنقاذ اليمن وبحره الأحمر من براثن التقسيم والأطماع الخارجية هو العودة إلى إرادة اليمنيين أنفسهم، ورفضهم الواضح لكل أشكال التقسيم، والتمسك بوحدتهم كصرح منيع في وجه كل من يتربص بالوطن.

الوحدة ليست خياراً سياسياً عابراً، بل هي قدر اليمن ومصيره، وهي السلاح الأقوى لمواجهة عواصف التفتيت القادمة من كل حدب وصوب. فكما قال الرئيس الشهيد صالح الصماد: “الوحدة اليمنية في خضم كل هذه التحولات ظلت الثابت الوحيد الذي لم يتزعزع عند اليمنيين”.

وعلى هذا الثبات يُبنى المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com