ما الذي حصل في شرق اليمن؟

بقلم/ عادل الحسني
لا يفهم الكثيرون طبيعة الأحداث الأخيرة المتسارعة في شرق اليمن، توقيتها وأسبابها الحقيقية ومآلاتها.
سأحاول في هذا المقال أن أضع بعض النقاط على الحروف، إذ لا تزال هناك حلقات لم تكتمل بعد.
أولًا: بدأت المسألة بتصعيد من المدعو أبو علي الحضرمي، المقيم في الإمارات، وأحد مؤسسي السجون السرية في عدن والمكلا، والذي يعمل ضمن خلايا ضباط المخابرات الإماراتية.
وقد وجّه الحضرمي تهديدات للشيخ عمرو بن حبريش، واتّهم الحلف بأنه يسهل تهريب المخدرات والقتل وغير ذلك.
عقد الحلف بعدها اجتماعًا، وتداعَت قبائل حضرموت حول هذا الأمر الطارئ.
ومما يُعرف عن حضرموت أن أبناءها لا يتقاتلون أبدًا، وأن بينهم أواصر مجتمعية قوية ومتماسكة، حتى النخبة الحضرمية التي أسستها الإمارات رفضت توجيه السلاح إلى صدور الحلف، ما دفع الإمارات إلى الإسراع بتشكيل قوة أمنية جديدة تُسمَّى قوات الدعم الأمني، وجلبت لها مدربين كولومبيين وسودانيين في حضرموت.
لكن الأحداث تسارعت، وبدأ الحلف بالسيطرة على شركة بترو مسيلة النفطية، وقد أثار ذلك حفيظة السعودية التي كان بينها وبين حبريش خيط من التواصل، لتعطي السعودية بعد ذلك الإمارات الضوء الأخضر للزحف والقضاء عليه.
لماذا لم تتولَ السعودية ذلك مباشرة؟
لأسباب اعتبارية، ولأن حضرموت منطقة حدودية معها، فهي تحاول تجنب الصدام المباشر.
اشترط الجانب الإماراتي – قبل سقوط ابن حبريش- افتعال معركة مع المنطقة الأولى في سيئون ومعسكر عارين، باعتبار أن هذه المعسكرات تضم مقاتلين ينتمون لجماعة الإخوان، العدو الأول لابن زايد ليس في اليمن فقط، بل في كل مكان.
وافقت السعودية بشرط أن تعود هذه الجماعات المسلحة إلى مواقعها، لأنها أيضًا لا تريدهم بالقرب منها أو من سلطنة عمان.
فما الذي حدث بعد ذلك؟
بعد الاتفاق السعودي-الإماراتي، أعطت الإمارات التوجيهات لميليشيات الانتقالي، مع الاستعانة بالعمالقة السلفية، للزحف نحو حضرموت.
وبالفعل تحرَّكت هذه المجاميع كلها، وحتى يكون لها غطاء قانوني أصدرت النيابة العامة، بتوجيه من رشاد العليمي، قرارًا بتصنيف ابن حبريش متمرّدًا والقبض عليه.
كما تم تغيير المحافظ بن ماضي بالخنبشي، والذي بدوره قام بمسرحية “التهدئة” مع القبائل، بينما كانت جموع الإمارات بالآلاف، مدعومة بالمدرعات والأسلحة، تزحف باتجاههم.
وبدأت التصريحات بأن الوجهة بعد ابن حبريش ستكون سيئون.
وللعلم، فإنَّ المنطقة العسكرية كانت مهيأة لهذه اللحظة، فقد جرى تفكيكها خلال الفترة الماضية، وتغيير قادتها ضمن خطة القضاء عليها.
وفي يوم الاقتحام، أُجريت اتصالات مع رشاد العليمي ووزير الدفاع بشأن الخطة، فقام هؤلاء بإغلاق هواتفهم ووافقوا على سقوط المنطقة.
اتصلت السعودية ليلة السقوط بقائد المنطقة وطلبت منه البقاء في منزله، وأخبرته أنَّ قوات “درع الوطن” ستصل صباحًا لتتسلّم المعسكرات.
فلم يحصل أي استعداد لحرب أو قتال من عناصر المنطقة العسكرية الأولى، وكان من المفترض أن تكون الأمور صباحًا بيد “درع الوطن”.
وصلت مجاميع الإمارات المسلحة إلى الأدواس وساه والقطن ثم إلى سيئون وتريم، ولم تحصل أي معركة مطلقًا، إذ كانت كل الأعيرة النارية من جهة واحدة فقط.
وتمت تصفية جنود النقاط المنتشرة على الطرقات بحجة أنهم قاوموا، بل حتى كثير من الأسرى تمّت تصفيتهم.
ودخلت هذه المجاميع المعسكرات بردًا وسلامًا.
وبعدها حصلت الكارثة، حيث اقتحموا منازل الجنود والضباط الذين لم يقاتلوا أصلًا، ولم يُبدوا أي مقاومة.
ولو أنهم قاتلوا لكان خيرًا وأشرف لهم، فقد انتهكت الحرمات، ودخلوا على النساء، ووثّقنا أكثر من 36 حادثة مأساوية هناك.
بل وصل الحال إلى سوق المواشي والسيارات وذهب النساء، كما فعل الجنجويد في الفاشر.
توجهت مجموعة أخرى إلى معسكر عارين في صحراء شبوة، وهناك كذلك سلّم جميع الأفراد، ولم تُذكر حالات قتل أو اعتداء على الأسرى في عارين.
وفي مساء تلك الليلة هاجمت مجموعة بسيطة من مأرب المعسكر؛ فزعة مع لعكب، فأسقطوه وغنموا وعادوا إلى مأرب.
وبعد وصول الوفد السعودي برئاسة رئيس اللجنة الخاصة، اللواء/ محمد القحطاني، إلى المكلا عقب ساعات من تنفيذ الإمارات لاتفاقها مع السعودية وإسقاط المنطقة الأولى، والتقى بالمحافظ الخنبشي.
جرت اتصالات مع بن حبريش، والاتفاق على تنفيذ شروط الحلف مقابل الانسحاب من بترومسيلة، ووافق بن حبريش.
كانت الأمور تسير نحو التهدئة، وبدأت عملية الانسحاب لقوات حماية حضرموت التابعة للحلف من مواقعها في بترومسيلة، وعندها حدثت عملية خاطفة وغادرة من مجاميع الإمارات، وقاموا بإطلاق النار على الحضارم، وسقط ستة شهداء من أبناء القبائل وعدد من الجرحى، وسيطرت مجموعة من الانتقالي على بترومسيلة.
ومن ثم انفتحت شهية الإمارات أكثر، وأعطتهم الضوء الأخضر للذهاب إلى المهرة ومحاصرة اللجنة السعودية، ومنع مغادرة القوات.
التحركات الإماراتية كانت تسرع، وهدفت إلى فرض أمر واقع يتيح لها مساحة أكبر لأي عملية تفاهم فيما بعد، ودفعت تلك التحركات إلى مغادرة القوات السعودية، وانسحابها من جنوب اليمن بشكل تام.
حتى قوة “درع الوطن” التابعة للسعودية، جرى حصارها، وصدر قرار بمنع تحركاتها، إلى أن قاد محمود الصبيحي وساطة تقضي بخروجهم على دفعات.
تزعم السعودية أن الإمارات تمردت عليها، واختلف الناس كالعادة، هو تقاسم أدوار كما حدث سابقًا؟ أم أن هناك خلافًا حقيقيًا؟
ومن المؤكد أنَّ الأيام المقبلة ستحمل الكثير من التطورات في الملف اليمني، الذي يُتوقع أن يشهد تعقيدًا جديدًا قد يدفع بصراع مسلح بين الأطراف الداخلية بقيادة سعودية-إماراتية.
هذا خلاصة ما حصل.
ويبقى الأهم لنا نحن معشر اليمنيين، ونحن ننظر إلى بلدنا تتقاسمه الذئاب وتنهشه الضباع، أن نقف مع أنفسنا.
هل وعينا الدروس؟ وهل آن الأوان لنجنّب كل خلافاتنا ونسعى لحماية بلدنا؟
أم أن التحالف سيكررها عليكم من جديد، ويُوقّع “اتفاق الرياض” آخر، ويمدد شرعية بقائه في اليمن بفتح حرب مزعومة نحو صنعاء؟
والنتيجة لا تتغير بجعل البلد تحت سيطرتهم، وبقاء اليمني جندي معهم، لا قرار له أو اختيار.