كتابات

قرار دونالد ترامب بشأن القدس الشريف إهانة مخزية للقادة العرب والمسلمين

بقلم/ د. عبد العزيز بن حبتور *

ظهر سيد البيت الأبيض يوم الأربعاء الموافق 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، مزهوّاً بصلاحياته السياسية والإدارية من داخل البيت الأبيض هو ونائبه السيد مايك بينيس، ليلقي على العالم بضع كلمات مسمومة اعتاد أن يرددها بهوس على جمهوره وأتباعه في داخل الولايات المتحدة الأميركية وعلى مجتمع النخبة السياسية في عالمينا العربي والإسلامي للأسف. وقال إنه جاء إلى البيت الأبيض ليصحح مسار قرارٍ اتخذه الكونغرس الأميركي بتاريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر 199 بشأن نقل سفارته من تل أبيب العاصمة السياسية للكيان الصهيوني للدولة العبرية الصهيونية إلى مدينة القدس الشريف التي اعتبرها ترامب عاصمةً فعلية واقعية للكيان الإسرائيلي، وردد أكثر من مرة نقده اللاذع للرؤساء الأميركيين الذين سبقوه ولم يستطيعوا تنفيذ القرار منذ ذلك الحين وحتى اليوم، في حين أنهُ -أي ترامب- هو الرئيس الشجاع الذي نفّذ ذلك القرار السيئ السمعة والأثر ليس على مستوى أهلنا بفلسطين وحدهم، وإنما على مستوى العالم.

صحيح أن القرار المُتّخذ من أكبر راعٍ و داعم للدولة الصهيونية في العالم و “وسيط السلام”!!! ينطبق عليه القول إنه “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”، مثله مثل وعد “بلفور” وزير خارجية بريطانيا عام 1917 تماماً، مع اختلاف الأزمنة والظروف والحلفاء والأفرقاء وغيرها، ذلك القرار الذي أجمع ساسة العالم على نقده وإدانته وعدم الاعتراف به، بمن فيهم القادة العرب والمسلمون الذين احتضنتهم مدينة الرياض تحت سقف واحد مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أيار/ مايو 2017، وهم القادة الذين احتفوا به وأكرموه إكرام الباذخ السخي في عطائه، وعاد إلى واشنطن عبر تل أبيب ومعه صفقة القرن التي أُعلن عنها يوم ذاك -أنها تجاوزت الـ 600 مليار دولار- وهي عبارة عن عقود لشراء الأسلحة وأمور أُخرى.

لكن السؤال الأبرز الذي رَدّدهُ مواطنو العالم الإسلامي والعربي:

مقابل ماذا يتم الدفع بسخاء لرجلٍ مهووس، أتى من شريحةٍ ناخبةٍ أميركية شعبوية عنصريةٍ تكره وتحتقر المُخالف لهم لوناً وديناً وسلوكاً، وعلى رأس من يكرهون هم المسلمون بكل أطيافهم؟!

أم أنهم دفعوا له حفاظاً على عروشهم؟

أو من أجل صفقة القرن كما يرددون، وهي تصفية القضية المركزية للشعوب الإسلامية كافة، وهي قضية فلسطين العزيزة؟

السيد دونالد ترامب رجل أعمال ناجح جداً ويكفي أنه من شريحة المليارديرات في أميركا، والمتابع لسيرته غير العطرة يجده إنساناً مغامراً تناسبه الصفقات التجارية، وحياته مليئة بالمجون والترف الفاضح، ومنتجعاته الفارهة تؤوي لياليه الحمراء، وهذه حال الأثرياء في العالم إلّا فيما ندر. لكن أن يجمع كل زعماء المسلمين تقريباً تحت خيمة واحدة ويكافئهم بصفعة مدوّية في وجوههم، بالقرار الذي أصدره يوم الأربعاء الأسود حول قدسنا الشريف، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسولنا الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام، فهذا شيء مُختلف عن كل الصفعات الماضية وعن كل الإهانات التي وجّهها لهم سابقاً، وهي إهانة لا سابق لها يوجّهها لهم أمام شعوبهم أولاً، وأمام شعوب العالم قاطبةً.. إنها “إهانة القرن” بكل تفاصيل المشهد.

صحيح أن هناك بوناً شاسعاً بين الشعوب الإسلامية العظيمة وتلك النخب السياسية الفاسدة التي تساقطت وتناثرت أمام “جبروت” رجل الكاوبوي الأميركي وغطرسته عليهم في مدينة الرياض والذي لم يكن لهم أدنى مراتب الاحترام حينما ودّعهم بالجملة واتجه مباشرةً من مطار الرياض الدولي إلى مطار بن جوريون في تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني، ولسان حاله يقول أيها القادة العرب والمسلمون السُذَّج، إنني أهنتكم في أرض الحرمين الشريفين وأخذت ملياراتكم، وبينما علّمتم ابنتي الحلوة ماري إفانكا ترامب شُرب القهوة العربية على يد أحد أمرائكم، علمتكم معنى الطاعة والإذعان للسيد الأميركي؛ لكنني في الوقت ذاته لم ولن أغيّر قناعاتي كأميركي متصهين تجاه حماية إسرائيل وشعبها المقدس.

اليوم الرئيس دونالد ترامب يقول في تصريحه المقتضب قُبيل توقيعه على قرار نقل السفارة، إنني تشاورت يا مسلمي العالم مع (زعيمتكم السعودية) وقد أعطت الضوء الأخضر لقرار نقل السفارة والبدء بتنفيذ فصول “صفقة القرن” أي تصفية القضية الفلسطينية برُمّتها.

إذاً ماذا بعد كل ما سُرد وما حُكي عن تلك المؤامرة القذرة التي حاكها عددٌ من شيوخ دول مجلس التعاون الخليجيّ وأمرائها ضد شعوبنا وأقطارنا العربية، الذين يردّدون في كل نشرة إخبارية من امبراطوريات إعلامهم:

أنَّ العدو الإسرائيلي لم يعد عدواً، وأنَّ العدو قد أصبح إيران “الرافضية”.
وأنَّ العداء لم يعد عداءً بين المسلمين والفكر الصهيوني المغتصب لفلسطين؛ بل أن العداء قد تحوّل إلى عداءٍ بين مذهبي السنّة والشيعة.
وأنَّ قتال العدوّ الإسرائيليّ حرامٌ، لكنَّ قتال الروافض – (من شيعة لبنان والعراق وسوريا وزيود اليمن “الروافض”)- حلالٌ أجازته كتب الفرقة الوهابية المتطرفة ومراجعها .
وأن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أصبحت إرهابيةً، إلى آخر ذلك من تُرّهات علماء الفرقة الوهابية الإرهابية.

إذاً لم يتبقّ شيء يتجاوز حدود العقل والمنطق، سوى القول للأجيال إن الشمس تشرق من الغرب ولا تصدقوا حركة الأرض ودورانها! هذه هي المعجزات التي يطلّ بها علينا منظّرو ومفكرو وساسة دول مجلس التعاون الخليجيّ ومرتزقتهم، التي كنا نردد ذات يوم في مدارسنا حينما كنا تلاميذ، أنها دول رجعية متخلّفة عميلة للاستعمار الغربي، أو أنها ذيل للولايات المتحدة الأميركية. ألم يَكشف الأرشيف الأميركي أن التآمر على المصالح العربية قد بدأ منذُ تأسيس الدولة السعودية الثالثة، أي في عهد مؤسس الدولة السعودية السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، حينما كتب بخط يده أنه يتنازل عن فلسطين لليهود المساكين!!!، وتبعه نجله الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك السعودية حينما وجّه رسالة إلى الرئيس الأميركي ليندون جونسون قبيل نكسة حزيران/ يونيو 1967، يطالبه فيها بأن يساعد دولة الكيان الصهيوني للانقضاض العسكري الخاطف على جمهورية مصر في عهد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، والجمهورية العربية السورية، والجمهورية اللبنانية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وأن تكون حرباً خاطفة لاحتلال أجزاء من كل هذه الأقطار، أي من دول الطوق.

إذاً لماذا نستغرب ما حدث بالأمس من قبل المؤسسين الأوائل، ألا نتذكر معاً وجمهور المتابعين للشأن العام وعبر القنوات الفضائية، أن حركة التطبيع السريع قادها سموّ الأمير تركي الفيصل آل سعود، رئيس جهاز المخابرات السعودي السابق وسفير المملكة لدى واشنطن سابقاً، وكذلك الجنرال أنور عشقي، المُكلّف بملف التطبيع مع الكيان الصهيوني، وربما هناك مساعدون آخرون من أمراء ورجال دين يقومون بهذه المهمة القذرة.

هذه هي السيرة المعلنة للمملكة السعودية، وما خفي كان أعظم! إنه التاريخ الذي يوثّق و لا يرحم؛ والله أعلم منّا جميعًا.

 

*رئيس حكومة الإنقاذ الوطني في اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com