رحلة السلاح اليمني: من الصفر إلى ما فوق الإقليم

شهارة نت – تحقيق خاص
من بين ركام الحرب، ومن تحت حصار أراد له أن يُنهك جسد اليمن، خرجت معجزة عسكرية لم يتوقعها أحد
اليمن، الذي كان حتى الأمس القريب يُوصف بـ “الدولة الأضعف عسكرياً في شبه الجزيرة العربية”، صار اليوم قوة تفرض معادلات جديدة، وتربك حسابات تل أبيب وواشنطن معاً.
كيف تحوّل بلد فقير مُحاصر إلى قوة عسكرية تملك صواريخ باليستية بعيدة المدى، وطائرات مسيّرة عابرة للحدود، وغواصات مسيّرة تفرض سيادة اليمن على البحر الأحمر؟
هذه ليست قصة خيالية، بل حقيقة موثقة بشهادات مراكز أبحاث غربية، وتقارير عسكرية أمريكية وصهيونية، وتصريحات من قلب تل أبيب وواشنطن نفسها.
اليمن في الماضي
حول واقع اليمن قبل عقد ونصف من الزمن بين دول المنطقة والعالم ، لا بد لنا من التطرق الى المكانة التي عاشتها اليمن طيلة عقود ماضية من حيث القوة والامكانيات العسكرية ومستوى التصنيع وهذا يدفعنا الى التساؤل ما اذا كانت اليمن تنتج ما تحتاجه ام انها تستورد احتياجاتها من الأسلحة والاليات العسكرية؟
قبل العام 2015، كان الجيش اليمني يوصف في التقارير الغربية والعربية بأنه “جيش بلا أنياب”.
أسلحته سوفيتية الصنع، مضى على معظمها عقود من الزمن، وذخيرته شحيحة، وصيانته شبه معدومة.
كانت المؤسسة العسكرية اليمنية تعتمد على بقايا ترسانة متهالكة: منها على سبيل المثال وليس الحصر دبابات من طراز “تي-55″ و”تي-62” خرجت من الخدمة في جيوش العالم منذ السبعينات.
وهناك أيضا مدافع ميدان قديمة بالكاد تعمل وصواريخ سكود تعود إلى زمن الحرب الباردة، بعضها غير صالح للإطلاق.
تقارير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن (IISS) وصفت الجيش اليمني آنذاك بأنه “واحد من أضعف الجيوش في المنطقة”، مؤكدة أن “افتقاره إلى منظومات دفاع جوي حديثة يجعله مكشوفاً أمام أي هجوم خارجي”.
بل إنّ بعض الصحف الخليجية كانت تتندر بالقول: “جيش اليمن بالكاد قادر على ضبط الأمن الداخلي، فكيف سيواجه تحالفاً إقليمياً أو قوة كإسرائيل؟”.
هذا الواقع كان يعكس هشاشة البنية العسكرية، ويعطي الانطباع أن اليمن عاجز عن بناء نفسه، ناهيك عن مواجهة قوى إقليمية ودولية.
تخيل بأنه حتى ترسانة الأسلحة ورغم ضعفها أمام ترسانة الدول المحيطة باليمن الا أن نظام صالح ومن بعده هادي والعليمي سعوا الى تدميرها بإشراف أمريكي، تمهيدا للعدوان على اليمن
لكن ما لم يدركه خصوم اليمن، هو أنّ الحرب والحصار سيشكلان المختبر القاسي الذي سينجب تجربة فريدة: التصنيع العسكري المحلي، من الصفر…

بداية الاهتمام بالتصنيع العسكري
مع اندلاع العدوان الذي شنه التحالف السعودي الاماراتي الأمريكي الإسرائيلي على اليمن في مارس 2015، بدا أن اليمن وُضع أمام خيارين: الاستسلام الكامل، أو البحث عن بدائل غير تقليدية للبقاء.
الجيش الذي كان بالكاد يملك مخازن قديمة من الصواريخ السوفيتية، وجد نفسه في مواجهة أحدث الطائرات الأمريكية والأوروبية، وأسلحة بمليارات الدولارات بالإضافة الى الاف المرتزقة الذين تم استقدامهم من عدد من الدول.
في الأسابيع الأولى للحرب، راهن تحالف العدوان على أن اليمن لن يصمد أكثر من شهر… لكن المفاجأة بدأت تتشكل.
تحت ضغط الحصار ومنع استيراد السلاح، انطلقت العقول اليمنية لتجربة ما كان يبدو مستحيلاً: إعادة هندسة الصواريخ القديمة، وتحويلها إلى منظومات جديدة بمديات أبعد.
أول الاختبارات ظهرت بصواريخ زلزال بنسخة المتنوعة ومن ثم صواريخ “بركان” التي ضُربت بها العمق السعودي، بالإضافة الى سلسلة صواريخ “بدر” و”قاهر”.
في الوقت ذاته، بدأت محاولات تصنيع أولى الطائرات المسيّرة. كانت بسيطة في البداية، بدائية في شكلها، لكنها أحدثت صدمة حقيقية عندما اخترقت الأجواء السعودية ووصلت إلى أهداف حساسة.
التقارير الأمريكية نفسها اعترفت منذ العام 2016 أن “القوات المسلحة اليمنية باتوا يمتلكون قدرات غير متوقعة في تطوير الصواريخ والطائرات بدون طيار”.
صحيفة واشنطن بوست وصفت الأمر بأنه “مفاجأة الحرب اليمنية”، مؤكدة أن اليمنيين استطاعوا عبر التصنيع المحلي تعويض النقص الهائل في التسليح.
ومع مرور الوقت، لم تعد هذه القدرات مجرد محاولات بدائية، بل تحولت إلى مشروع استراتيجي.
أُنشئت وحدات متخصصة في تطوير وإنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وبدأ الإعلام الحربي يكشف شيئاً فشيئاً عن “مفاجآت ستغير المعادلة”.
وهكذا، من قلب الحرب والحصار، بدأ اليمن يشق طريقه نحو صناعة عسكرية وطنية، لتصبح السنوات التالية شاهداً على طفرة نوعية في التنوع والتطور…
ما هي مكانة اليمن العسكرية اليوم وما الذي تمتلكه من أسلحة؟
منذ العام 2017، بدأت ملامح القوة العسكرية اليمنية تتغير بصورة لافتة.
لم يعد الأمر مجرد صواريخ سكود مُعدلة، ولا طائرات مسيّرة بدائية، بل ترسانة متنوعة أربكت خصوم اليمن من الخليج إلى تل أبيب وواشنطن.
1. الصواريخ الباليستية والمجنحة
بركان: النسخة اليمنية المعدلة من صواريخ سكود، وصلت مدياتها إلى العمق السعودي والإماراتي.
قدس: صواريخ مجنحة بعيدة المدى، استخدمت لاحقاً لضرب أهداف في الرياض وأبوظبي، ثم كشفت تقارير إسرائيلية أنها قد تصل إلى تل أبيب.
طوفان: صاروخ باليستي متطور، وصفه الإعلام الإسرائيلي بأنه “كابوس جديد للقبة الحديدية”.
حاطم: الصاروخ الفرط صوتي الذي أعلن عنه السيد عبد الملك الحوثي، وأثار ضجة كبيرة في تل أبيب وواشنطن، لقدرته على تجاوز الدفاعات التقليدية.
صواريخ فلسطين بنسختها الأولى والثانية وهي صواريخ فرط صوتيه ومنها انشطارية
صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية علقت بالقول: “لم نكن نتوقع أن اليمن، الدولة المحاصرة، سيكون قادراً على تطوير صاروخ فرط صوتي، هذا تطور خطير للغاية لإسرائيل والمنطقة”.
2. الطائرات المسيّرة
قاصف K2: أثبتت قدرتها على الوصول إلى العمق السعودي واستهداف مطارات عسكرية.
صماد 3: مسيرة بعيدة المدى، وصلت إلى أبوظبي والرياض، وتكرر ذكرها في تقارير أمريكية باعتبارها “واحدة من أخطر الطائرات الانتحارية”.
وعيد – يافا: نماذج جديدة كشفت عنها القوات المسلحة اليمنية مؤخراً، مخصصة لاستهداف تل أبيب وموانئ الاحتلال.
صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريراً في 2024 قالت فيه: “هجمات الحوثيين بالطائرات المسيرة أصبحت أكثر دقة وأبعد مدى مما كان يتوقعه البنتاغون”، مضيفة أن هذه المسيّرات أربكت أنظمة الدفاع الأمريكية في البحر الأحمر.
3. القوة البحرية
من أكثر المفاجآت اليمنية التي لم تكن في حسبان أحد: القدرات البحرية.
زوارق مسيّرة انتحارية قادرة على ضرب السفن الحربية والتجارية.
غواصات مسيّرة أعلنت عنها صنعاء لأول مرة عام 2023، ووصفتها مراكز الأبحاث الأمريكية بأنها “تطور غير مسبوق في قدرات الفاعلين من غير الدول”.
ألغام بحرية وصواريخ مضادة للسفن غيّرت قواعد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.
المعهد البحري الأمريكي (USNI) كتب: “الهجمات البحرية لليمنيين أظهرت قدرة غير متوقعة على تعطيل خطوط الشحن العالمية، ولم تنجح القوات الأمريكية في احتوائها بشكل كامل”.
الدفاعات الجوية اليمنية… من الرماد إلى القوة
لم يكن العدوان السعودي الأمريكي يتوقع أن يرى طائرة واحدة تسقط في سماء اليمن.
ففي الساعات الأولى من فجر 26 مارس 2015، أعلن قادة التحالف من قلب واشنطن أنهم “حيّدوا الدفاعات الجوية اليمنية بالكامل”، وأن الأجواء باتت تحت سيطرتهم.
لكن بعد أربعة أيام فقط… تحطمت تلك الثقة.
الدفاعات الجوية اليمنية أسقطت مقاتلة F-15 أمريكية الصنع تابعة لسلاح الجو السعودي، قبالة السواحل اليمنية.
كانت تلك أول ضربة جوية معاكسة للتحالف، بمثابة إعلان أن الدفاعات لم تمت.
وبعد أقل من شهرين، في 24 مايو 2015، دوّت الصدمة مجدداً: مقاتلة F-16 مغربية تُسقطها السماء اليمنية، ويُقتل طيارها.
لتنسحب الرباط بهدوء من التحالف، بعد صفقة غير معلنة أعادت بموجبها صنعاء جثة الطيار.
خلال شهرين فقط، أسقط اليمن طائرتين مقاتلتين من أكثر الطائرات الأمريكية انتشاراً في العالم.
كيف حدث ذلك؟
منذ منتصف العقد الأول للألفية، كانت واشنطن قد أشرفت على عملية تجريد ممنهجة لليمن من دفاعاته الجوية.
ومع الضربة الأولى للتحالف، بدا أن ما تبقى من المنظومات قد تحطم.
لكن أنصار الله والضباط والمهندسين اليمنيين نجحوا، بسرعة قياسية، في إعادة تشغيل المنظومات القديمة، وترقيتها بما هو متاح.
تم تعديل الصواريخ والرادارات لتواكب خصائص المقاتلات الأمريكية، وتكييفها مع الثغرات التي لاحظها اليمنيون في تكتيكات التحالف.
ونورد جملة من سلسلة الإسقاطات التي تمت
30 ديسمبر 2015: الدفاعات اليمنية تُسقط مقاتلة F-16 بحرينية على الحدود، لتسقط داخل جيزان.
8 يناير 2016: في أجواء ميدي الساحلية المفتوحة، تُستهدف مروحية أباتشي أمريكية الصنع، في أول إسقاط من نوعه.
26 فبراير 2016: أباتشي أخرى تسقط في ذوباب بمحافظة تعز.
هكذا، تحوّل العام الأول من الحرب إلى عام أسود على السلاح الأمريكي.
مقاتلات F-15 وF-16، مروحيات أباتشي، وطائرات إماراتية Mirage، كلها سقطت أو تحطمت في الأجواء اليمنية.
ولادة جيل جديد من الدفاعات
رغم الحصار الخانق وغياب أي دعم خارجي، مضت صنعاء في مسار استثنائي: تطوير الدفاعات الجوية محلياً.
تحديث الرادارات وأنظمة التتبع.
تطوير صواريخ أرض – جو بمديات جديدة.
تصنيع منظومات محمولة تناسب التضاريس الجبلية والسواحل المكشوفة.
والنتيجة: بحلول السنوات التالية، ظهرت منظومات مثل فاطر 1، ثاقب 2، صاعقة، وصولاً إلى منظومات بواسل وعاصف، القادرة على إسقاط أحدث الطائرات المسيرة الأمريكية.
MQ-9 في مرمى النيران
السلاح الأبرز الذي انضم للقائمة السوداء كان طائرات MQ-9 Reaper، درة الصناعة العسكرية الأمريكية.
منذ بداية الحرب وحتى اليوم، تمكنت صنعاء من إسقاط عشرات الطائرات من نوع MQ-9.
وعموما فان إسقاط F-15 وF-16 وApache وMQ-9 لم يكن مجرد نصر تكتيكي… بل كان إعلاناً أن “المستحيل الأمريكي” قابل للتحطيم في سماء اليمن.
تحييد أحدث الطائرات يعني أن أي حرب مستقبلية لن تكون مفتوحة الأجواء كما حلم التحالف، بل محفوفة بالمفاجآت.
اليمن الذي أُريد له أن يُسحق منذ الليلة الأولى، أعاد تشغيل دفاعاته من تحت الركام.
في ظرف قياسي، تحولت “البقايا” إلى منظومات تفرض احترامها على المقاتلات الأمريكية الأكثر تقدماً.
ومن هنا، بدأت رحلة إعادة تسليح الجيش اليمني بالكامل:
إما بأسلحة مطوّرة محلياً 100%، أو بأسلحة مُصنّعة يمنياً من أصغر برغي حتى أكبر صاروخ.
وهكذا، أصبح الدفاع الجوي اليمني حجر الزاوية في التحول من بلد ضعيف إلى قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها.
نقف امام نماذج من شهادات العدو:
وزارة الدفاع الإسرائيلية اعترفت مطلع 2025 أن “الصواريخ اليمنية باتت جزءاً من التهديد الاستراتيجي الذي يواجه إسرائيل”.
قائد الأسطول الأمريكي الخامس قال في تصريح لشبكة CNN: “الحوثيون يمتلكون ترسانة متطورة نسبياً، لم نتوقعها، وتشكل خطراً حقيقياً على قواتنا ومصالحنا في المنطقة”.
بهذا التنوع – من الصواريخ إلى المسيّرات والأسلحة البحرية – لم يعد اليمن مجرد طرف مدافع، بل أصبح قوة ردع هجومية قادرة على تهديد العدو في البر والبحر والجو.
وقد اثار سلاح بحري يمني جديد تمتلكه القوات البحرية اليمنية رعبا وتخوفا كبيرا لدى البحارة الامريكيين من التهديد الكبير الذي يشكله هذا السلاح على السفن الامريكية وحاملة الطائرات والبوارج الامريكية
وذكر تقرير لوكالة اسوشيتد برس الأمريكية ان البحارة يواجهون الآن و بشكلٍ مُستمر، تهديدًا جديدًا، تتمثل في قوارب سطحية مُسيّرة سريعة يتم إطلاقها عليهم عبر الماء.
وقالت الوكالة ان البحارة على متن حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت د. إيزنهاور” وسفن الحرب المرافقة لها قضوا أربعة أشهرٍ متواصلة في البحر يدافعون ضد الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيّرة المهاجمة في عمليات القوات المسلحة اليمنية نصرة لغزة التي تستهدف السفن الاسرائيلية والمتجهة الى موانئ فلسطين المحتلة
ونقلت الوكالة عن الأميرال الركن (مارك ميغيز)، قائد مجموعة ضربات الحاملة الثانية التي تضم “إيزنهاور” كسفينة رئيسية قوله “إنه تهديد غير معروف و لدينا قليل من المعلومات عنه، ويمكن أن يكون قاتلاً بشكل متطرف، قارب سطحي مُسيّر”.
واصاف قائد المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر – هذا أحد أكثر السيناريوهات المخيفة، أن يكون لديك سفينة سطحية مسيّرة، محملة بالقنابل يمكنها التحرك بسرعات عالية جدًا

اليمن كقوة عسكرية صاعدة
اليمن الذي كان يُنظر إليه كـ”خاصرة ضعيفة” في الجزيرة العربية، صار اليوم قوة صاعدة تفرض نفسها في معادلات الإقليم والعالم. والدليل والشواهد على ذلك كثيرة ومنها:
1. فشل الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية
فالقبة الحديدية التي تغنى بها الاحتلال، عجزت مراراً عن اعتراض الصواريخ اليمنية.
صحيفة معاريف العبرية كتبت: “الدفاعات الجوية الإسرائيلية فشلت في مواجهة هجمات اليمنيين، الأمر الذي يشكل تهديداً وجودياً إذا تكرر بوتيرة أعلى”.
أما واشنطن، فقد اعترفت عبر وزارة الدفاع أن “الهجمات اليمنية أربكت أنظمة الدفاع الأمريكية في البحر الأحمر، وتسببت بخسائر بمليارات الدولارات نتيجة توقف حركة الملاحة”.
2. خطابات السيد عبد الملك الحوثي كمرجعية للمعادلة
منذ بداية الحرب، كان السيد عبد الملك الحوثي يكرر أن اليمن سيطور قدراته “حتى يصبح قادراً على ضرب عمق العدو”.
كثيرون ظنوا أن تلك مجرد شعارات… لكن السنوات أثبتت أن ما قاله تحول إلى استراتيجية واضحة: تطوير السلاح كخيار وحيد لمواجهة العدوان.
اليوم، صواريخ فلسطين و”قدس” و”حاطم” والمسيّرات “صماد” و”وعيد” كلها تجسيد عملي لتلك الوعود.
3. اليمن جزء من محور المقاومة
لم يعد اليمن معزولاً. هو اليوم جزء من معادلة إقليمية كبرى: محور المقاومة.
قدراته الصاروخية والبحرية تُكمل ما تملكه غزة ولبنان وإيران، وتشكل معاً شبكة ردع قادرة على تهديد إسرائيل من كل الاتجاهات.
الجنرال الأمريكي المتقاعد فرانك ماكنزي قال في تصريح لمجلة فورين بوليسي: “الحوثيون أصبحوا لاعباً إقليمياً لا يمكن تجاهله، قوتهم النارية تتجاوز حدود اليمن، وتؤثر على أمن إسرائيل مباشرة”.
4. اليمن يفرض معادلة ردع جديدة
ضد السعودية والإمارات: أثبت أنه قادر على ضرب العمق وتعطيل الاقتصاد.
ضد واشنطن: أجبر الأسطول الأمريكي على خوض معارك استنزاف في البحر الأحمر.
ضد تل أبيب: فتح جبهة جديدة أربكت الاحتلال وأثبت أن فلسطين لم تعد وحيدة.

دلالات ومعاني “المعجزة”
إن وصف التصنيع العسكري اليمني بالمعجزة لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى حقائق موضوعية:
الإنجاز تحت الحصار: تم كل هذا التقدم في ظل حصار خانق يمنع دخول أبسط المواد الأساسية، مما يثبت أن الإرادة والعقول اليمنية قادرة على تحقيق المستحيل.
الاعتماد على الكفاءات الوطنية: حيث شكل هذا الإنجاز ثورة علمية اعتمدت بشكل كامل على الخبرات والكفاءات اليمنية، مما يمثل استثماراً حقيقياً في رأس المال البشري.
تغيير معادلة الصراع: فلم يكن التصنيع العسكري مجرد إنجاز تقني، بل كان العامل الحاسم في تغيير موازين القوى، وفرض معادلات ردع جديدة، وإجبار العدو على إعادة حساباته.
البعد العسكري .. دخول مسرح القوى المؤثرة
امتلاك سلاح الردع البعيد ، الصواريخ اليمنية بعيدة المدى والمسيّرات الاستراتيجية أعادت تعريف مدى النفوذ اليمني، وباتت تهدد مصالح إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة.
القدرات العسكرية الجديدة فرضت على العدو إعادة حساباته، فالرد لم يعد محدودًا جغرافيًا، بل بات عابرًا للحدود
تحييد التفوق الجوي للعدو ونجاح الدفاعات اليمنية في إسقاط طائرات مسيّرة أمريكية متطورة أثبت قدرة اليمن على خرق معادلة التفوق الجوي التي طالما اعتمد عليها العدو الإسرائيلي.

البعد السياسي .. اليمن لاعب إقليمي لا يمكن تجاهله
تموضع استراتيجي جديد لليمن ، وتمكن القوات المسلحة اليمنية من المشاركة الفعلية في معركة الهوية والمصير المشترك للأمة الإسلامية.
رفض التطبيع وتعزيز الموقف الفلسطيني، من خلال الوقوف القوي في وجه محاولات تطويع المنطقة لصالح الكيان الصهيوني، من منطلق المسؤولية في مواجهة مع العدو تنطلق من ثوابت واضحة.
رسائل موجهة للداخل والخارج، حيث باتت القدرات العسكرية اليمنية ورقة سياسية أيضًا، تستخدمها اليمن لتعزيز موقفها التفاوضي، والتأكيد على أن أي تسوية سياسية مستقبلية يجب أن تأخذ هذا التطور بعين الاعتبار من قاعدة الثبات على الأرض وحمايتها من مشاريع العدو الاستعمارية.
وعموما استطاعت اليمن كسر احتكار الردع الذي كانت تحتكره قوى كبرى في المنطقة، وأثبت أن بإمكان دولة محاصرة تصنيع سلاح ردع ناجع ، كما أن دخول اليمن على خط المواجهة المباشرة أجبر العدو الصهيوني على إعادة تقييم استراتيجيتهم حيال اليمن بل ومحور المقاومة بأكمله ، كما أصبح واضحًا أن الضربات اليمنية لم تعد منفصلة عن السياق الإقليمي، بل تعمل بتناغم مع جبهات جنوب لبنان، غزة، والعراق، ما يخلق ضغطًا متعدد الاتجاهات على العدو الصهيوني وحلفائه.
إن ما تصنعه اليمن اليوم ليس فقط نصرًا عسكريًا، بل تحوّلًا في الهوية والقرار، ورسالة مفادها أن السيادة تُنتزع بالقوة، وأن مشروع التحرر لا تحده المسافات، ولا تعيقه العوائق.
الخلاصة أن اليمن اليوم ليس الحلقة الأضعف، بل الرقم الصعب الذي يغير قواعد اللعبة.
من بلد كان يفتقر لأبسط وسائل الدفاع، إلى دولة تمتلك صواريخ فرط صوتية وغواصات مسيّرة، وتدخل اسمها ضمن قائمة القوى العسكرية الصاعدة.
هذه هي قصة اليمن:
بلد جائع مُحاصر، حوّل محنته إلى فرصة.
شعب كان يُراهن على هزيمته خلال أسابيع، صار يُرعب تل أبيب وواشنطن بعد عقد من الحرب.
اليمن اليوم لا يطلب الإذن من أحد، بل يفرض معادلاته بالقوة…
ليثبت للعالم أن الحصار لا يكسر الإرادة، وأن “المستحيل” في قاموس الشعوب الحرة قد يتحول إلى واقع صاروخي يغير وجه التاريخ.


