كتابات

وطن?َ ومواطنة?َ معا?ٍ

إن مفهوم المواطنة مشتق من مفهوم الوطن . والوطن ليس جغرافيا? وموقع مهم وثروات فحسب? بل إن الوطن ذلك الحيز المكاني الذي تمارس فيه الحقوق والحريات? وأداء الواجبات . كما أن المواطن هو ذلك الشخص الذي يتمتع بحقوقه وحرياته? ويشعر بكرامته الإنسانية .
إن ثمة إشكالية نعاني منها في غالبية الوطن العربي (واليمن في القلب منه)? حيث يحضر ما يمكن تسميته ب (الوطن الجغرافيا) والوطن الواجبات)? ويتوارى أو يغيب مفهوم (الوطن الحقوق والحريات) . صحيح أن كل حق يقابله واجب? ولكن المحزن? أنه في بلد كاليمن يحضر الواجب والظلم ولا ت?ْمارس كثير من الحقوق والحريات .
وفي هذا السياق? وكي لا يكون الكلام على عواهنه? سأضرب مثلا?ٍ صارخا?ٍ على ما سبق? لأنه بالمثال يتضح المقال . إنه في مساء يوم الثلاثاء الماضي (12/10/2010م) وعندما كنا نسير في مظاهرة دعما?ٍ لمهجري الجعاشن (هم مجموعة مواطنين يمنيين? من منطقة الجعاشن التابعة لمحافظة إب اليمنية? نزحوا من عدة سنوات باتجاه العاصمة صنعاء) ومساندة لفئة م?ْستضعفه في مجتمعنا اليمني? ومظلومة من قبل شيخها القبلي? ردد بعض أبناء الجعاشن شعارات كثيرة? منها: “صح النوم صح النوم لا مشايخ بعد اليوم”? في هذه اللحظة وجدت لساني ينطق ويردد هذا الشعار معززا?ٍ بقناعة فكرية وسياسية? لأن بعض شيوخ قبائل اليمن قد استمرؤوا ظلم بعض رجال ونساء وأطفال قبائلهم .
ورغم أنني أحد أبناء شيوخ القبائل اليمنية? فقد غدوت أكثر قناعة من ذي قبل بضرورة الوقوف في وجه الظلم والاستبداد ولو كان مصدره بعض شيوخ القبائل? فقد غدونا تواقين لوطن خال من الظلم والاستبداد? من أية جهة كانت .
لقد ضاق الوطن اليمني بكثير من أبنائه? وخاصة مهجري الجعاشن? كما أن العاصمة صنعاء أخفقت في استضافتهم في بعض أماكنها? رغم أنها عاصمة دولتهم! إذا كان الإمام الشافعي (رضي الله عنه) قد أطلق عبارته المشهورة “لا بد من صنعاء وإن طال السفر” بحثا?ٍ عن العلم والعلماء? عندما كانت صنعاء آنذاك منبعا?ٍ للعلم وموئلا?ٍ للعلماء? فإن بعض المواطنين اليمنيين (بما فيهم مهجري الجعاشن) قد صرخوا “لا بد من صنعاء” بحثا?ٍ عن العدالة ورفع الظلم الواقع عليهم من قبل شيخهم? ولكنهم بعد مضي قرابة أحد عشر شهرا?ٍ مازالوا يقطنون في خيام نصبت في ساحة مجاورة لجامعة صنعاء في العاصمة? بل إن الخيام قد ضاقت بهم وغدت بمثابة “وطن” وسكن لهم وبعد أن فقدوا الثقة في حاكمهم وحكومتهم رفعوا صيحات رددتها حناجر بعض نساء الجعاشن وأطفالها ورددناها معهم “يا حكومة صح النوم الجعاشن بلا نوم” . “يا للعار يا للعار نساء وأطفال الجعاشن بلا دار” . وفي هذا السياق? وبعد أن ضاقت أغلب ساحات العاصمة صنعاء بمجموعة من أبناء الجعاشن المهجرين? واحتضنت السجون بعض رجالها فإني أنصح نساء الجعاشن وأطفالها أن يتنقلوا مع ما تبقى من خيامهم وينصبوها أمام مقرات الأحزاب السياسية اليمنية المعارضة (أحزاب تكتل اللقاء المشترك تحديدا?ٍ)? كي يذك?روا هذه الأحزاب ببعض وظائفها الغائبة في الساحة اليمنية (لأن من وظائف الأحزاب حماية الحقوق والحريات? والتعبير عن المصالح والدفاع عن المظلومين) وهذا ما لا يقوم به كثير من هذه الأحزاب .
وفي هذا الصدد? كنا قد توصلنا عبر إحدى دراساتنا . إلى أن شرعية بقاء القبيلة اليمنية مستمدة من لا شرعية الحاكم السياسي? وأن قيام نخبة حاكمة حديثه وعادلة في الدولة اليمنية? متطلب سابق وضروري لوجود قبيلة أكثر فاعلية (اجتماعيا?ٍ) ونظام سياسي أكثر استفادة وإنجازا?ٍ? إلا أن الظلم الواقع على مهجري الجعاشن من قبل شيخ قبيلتهم يومئ إلى أن أزمة الشرعية قد انتقلت من أزمة حكم ونخبة حاكمة على مستوى النظام السياسي إلى أزمة شرعية يعاني منها بعض شيوخ القبائل أيضا?ٍ . حيث يلاحظ أن كثيرا?ٍ من شيوخ القبائل اليمنية أصبحوا بمثابة ح?ْكام صغار فاقدي الشرعية? في إطار علاقتهم بأفراد قبائلهم .
وهنا? يتعين التفريق بين شرعية القبيلة لدى أفرادها? وبين شرعية شيخها في النظام القبلي? فشرعية القبيلة اليمنية لدى أفرادها مستمرة ما بقيت أعرافها وقيمها? بينما شرعية شيخ القبيلة مؤقتة ومشروطة باقترابه من قبيلته? وحفاظه على كيانها وتلبية احتياجاتها وعدم استغلالها وظلمها? إضافة إلى ضرورة توفر الوعي لدى أفراد القبيلة بظلم شيخهم لهم? وتوفر إرادة مقاومة الظلم? وهذا يبدو قد تحقق في حالة مهجري الجعاشن المسالمين وغير المسلحين .
أعترف للقراء أن مشاركتي في هذه المظاهرة التضامنية مع مهجري الجعاشن وما تحمله من دلالة سياسية ووطنية واجتماعية قد أثارت في نفسي تساؤلات عدة منها? لماذا نعيش كأكاديميين في أبراجنا العاجية? ولماذا التعالي على آلام كثير من أبناء وطننا اليمني وأوجاعهم? ولماذا نهرب إلى التنظير – رغم أهميته – بدلا?ٍ من مواجهة الظلم والاستبداد . عبر الحركة والفعل? ولماذا نتدثر بعباءة الموضوعية الباردة عندما تنتهك كثير من حقوق اليمنيات واليمنيين وحرياتهم?
لقد تولد لدي شعور عقب مداهمة رجال الأمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com