كتابات

فن الملاعنة

قاموس طويل وعريض من مفردات الشتائم والسباب والملاعنة ي?ْفرغه طرفا الأزمة السياسية الراهنة في البلد تقوده ثلاث فئات مجتمعية , أو يتم عبر وسائل واتجاهات ثلاث هي المصادر الأساسية لهذا القاموس : دينية وإعلامية وشعبية .

تؤكد الأزمة السياسية أل??ِا أحد من طرفي النزاع يمتلك شرف الخصومة أو حتى هذه المفردة واردة في مبادئ خصومته , هناك كذب بواح وافتراءات ربما يعتقد الطرفان – جهلا?ٍ – أنها من المباحات وهو ليس كذلك , وتأجيج في غالبه لا مبرر له على الإطلاق .

من أجاز هذا الكذب البواح ?

شخصيا?ٍ لا أدري لكني أعتبره انحطاطا?ٍ في القيم والأخلاق إن بقي في صراعنا قيم وأخلاق .

سأعود للتعريج على الفئات المجتمعية الثلاث ( المصادر الأساسية ) التي تلعب الدور الأبرز في فن الشتائم والملاعنة والسباب , بل إنها تجيد هذا الفن وتتقنه وتقوم بتسويقه عبر وسائل واتجاهات مختلفة ومتعددة أبرزها :

· الإعلام : ماكينة متعددة الوسائل والإمكانيات والطاقات والقدرات , تمتلك هذه الماكينة كوادر وطواقم ومواهب ذات قدرات مؤهلة يعمل الغالب منها على إثارة الفتنة والنفخ في النار بكل ما أوتوا من قوة م?ْجيدين فن الإتهام والتخوين عبر كل الصروح الإعلامية / المرئية والمسموعة والمقروءة وبجميع أقسام البلاغة وفي كل البرامج .

· الدين ( الرموز الدينية ) : في نظري وربما يوافقني الكثير فإني أعتبر الدين العامل الأهم في تشكيل قناعات الناس والتأثير على العامة منهم , وبالعودة لموضوعنا فإن كل طرف يمتلك ماكينة ضخمة من العلماء والدعاة والخطباء والمرشدين , على سبيل المثال فإن التيار السلفي يقف إلى جانب السلطة داعيا?ٍ لطاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه , وعلى النقيض منه يقف التيار الوهابي ممثلا?ٍ بجامعة الإيمان وحزب الإصلاح معارضين للسلطة وخارجين على سلطانها وداعين للثورة والإنتفاضة والتمرد عليها .

وللأمانة فإن التيارين ( السلفي والوهابي ) يجيدان فن السباب والملاعنة والقذع والغمز واللمز والسخرية ويتقنان فن التكفير والتبديع والتفسيق والتضليل بما لا ينافسهما فيه أحد سوى شذرات شاذة من الصراع الفكري التاريخي بين الف?ر?ِق? والن??حل الإسلامية في أزمنة متقدمة , بل إن كل تيار ي?ْعتبر أكاديمية في هذا الفن الذي س?ْخ??رت له المنابر والمحاريب والإعلام والساحات والفن والتراث والشعبيات كميادين يتبارى فيها المجيدون لهذا الفن في إطار جهودهم المضنية نحو التعبئة والتحريض والإثارة .

ماكينة أنهك عمالقتها وفطاحلتها أنفسهم بالتأصيلات الشرعية للتحريض والإثارة والدعوة للفتنة بدلا?ٍ من المهمة الأساسية الإصلاح وحقن الدماء ومداواة الجراح وتجاوز الإحن والتعالي فوق الصغائر .

· الأنصار والأتباع : وهي الماكينة الشعبية التي تعتبر في الأساس ضحية للماكينتين السابقتين ( رجال الدين والإعلام ) اللتين تعملان على حقنهما وشحنهما وتحريضهما وتعبئتهما وفق الغايات والمآرب والأهواء والمخططات التي يراد تحقيقها .

لقد تجلت النتائج الكارثية لفن السباب والتحريض والملاعنة في شباب الساحات بكل توجهاتهم وأطيافهم وألوانهم ومشاربهم ومواهبهم : الفنية والخطابية والإنشادية والشعرية والدرامية والمسرحية فازدانت بهذا الفن الشوارع والطرقات والجدران واللافتات وأعمدة الإنارة وتخضبت به الوجوه والأيادي والصدور والصلعات ولم تسلم منه أيضا?ٍ وجوه الأطفال الذين يتم حشدهم وتجييشهم في أغبى فهم للديمقراطية وممارسة الحرية .

ليتهم يفهمون : أن الحياة أقصر وأثمن من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء وتصيد الهفوات والزلات التي ارتكبها غيرنا في حقنا , وفي تغذية روح العداء بين الناس .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com