الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال».. خطوة تفجير جيوسياسي في القرن الأفريقي والبحر الأحمر

شهارة نت – تقرير
يشكّل الإعلان الإسرائيلي بالاعتراف الرسمي بإقليم «أرض الصومال» كيانًا مستقلاً، تطورًا بالغ الخطورة يتجاوز البعد الدبلوماسي، ليطال جوهر التوازنات الجيوسياسية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، ويفتح الباب أمام سيناريوهات تفكيك الدول وإعادة رسم الخرائط بما يخدم مشاريع الهيمنة الغربية–الإسرائيلية، في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.
تباين أمريكي
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سارع إلى إعلان رفضه الاعتراف بالإقليم الانفصالي، مكتفيًا بإجابة مقتضبة حملت قدرًا من الاستخفاف، حين قال: «لا»، متسائلًا بسخرية عمّا إذا كان أحد يعرف أصلًا ما هي «أرض الصومال». غير أن هذا الرفض لم يكن حاسمًا، إذ أبقى ترامب الباب مواربًا أمام العرض الذي تقدمت به سلطات الإقليم لإنشاء قاعدة بحرية أميركية عند مدخل خليج عدن، معتبرًا أن «كل شيء قيد الدراسة».
هذا الموقف يعكس المقاربة الأمريكية التقليدية القائمة على الفصل بين الشرعية السياسية والمصالح الاستراتيجية: لا اعتراف رسمي، لكن دون إغلاق الأبواب أمام التمركز العسكري والتحكم بالممرات البحرية، خصوصًا في ظل تصاعد التوتر في البحر الأحمر وباب المندب.
حماسة إسرائيلية… كسر القانون الدولي
في المقابل، بدت إسرائيل أكثر اندفاعًا، إذ أعلن بنيامين نتنياهو الاعتراف الرسمي بـ«جمهورية أرض الصومال»، ووقّع وزير خارجيته جدعون ساعر إعلانًا مشتركًا مع رئيس الإقليم، في خطوة قُدّمت تحت مظلة «اتفاقيات أبراهام»، في محاولة لإضفاء شرعية سياسية على إجراء أحادي يتعارض صراحة مع القانون الدولي وقرارات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
الاعتراف الإسرائيلي لا يمكن فصله عن استراتيجية تل أبيب طويلة الأمد للتمدد في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتأمين خطوط الملاحة، ومراقبة مضيق باب المندب، وتطويق خصومها، وفي مقدمتهم اليمن ومحور المقاومة.
الصومال يرفض… ومخاوف من التفكيك
الحكومة الصومالية ردّت بحزم، مؤكدة أن «أرض الصومال» جزء لا يتجزأ من أراضي الجمهورية الفيدرالية، وأن أي اعتراف يمثّل انتهاكًا صارخًا لسيادتها ووحدة أراضيها. كما حذّرت من أن هذه الخطوة تخلق بيئة خصبة للفوضى ونمو الجماعات المسلحة، وتفتح «صندوق باندورا» في أفريقيا، حيث قد تتوالى المطالب الانفصالية في دول هشة.
الإمارات وإثيوبيا… المصالح خلف الستار
التحرك الإسرائيلي يتقاطع بوضوح مع أدوار إقليمية فاعلة، في مقدمتها الإمارات وإثيوبيا. فميناء بربرة، الذي تديره شركة «موانئ دبي العالمية»، تحوّل إلى ركيزة اقتصادية وأمنية في مشروع تدويل الإقليم، فيما ترى أديس أبابا في «أرض الصومال» بوابتها الاستراتيجية إلى البحر الأحمر، بعد توقيع مذكرة تفاهم مثيرة للجدل مع سلطات الإقليم، رغم الرفض الصومالي والمصري والعربي.
هذا التشابك يمنح التحرك الإسرائيلي غطاءً إقليميًا غير معلن، ويحوّل الإقليم الانفصالي إلى أداة وظيفية في صراع النفوذ على الموانئ وخطوط التجارة والطاقة.
باب المندب واليمن في قلب العاصفة
أخطر ما في الاعتراف الإسرائيلي هو موقع «أرض الصومال» الجغرافي، المطل على خليج عدن والضفة المقابلة لليمن. فتل أبيب تنظر إلى الإقليم باعتباره منصة متقدمة للضغط على صنعاء، ومراقبة حركة الملاحة، وربما إنشاء قواعد استخباراتية وعسكرية تكمّل عملياتها في البحر الأحمر.
ويرى محللون أن هذه الخطوة تمثل طوقًا استراتيجيًا جديدًا حول اليمن، وقد تؤدي إلى تصعيد إضافي في المواجهة مع صنعاء، وتهديد أمن الملاحة، بدلًا من حمايتها كما تدّعي إسرائيل.
شبهة التهجير الفلسطيني
البعد الأخطر يتمثل في الربط بين الاعتراف الإسرائيلي وسيناريوهات طُرحت خلال حرب الإبادة على غزة، تتعلق بتهجير الفلسطينيين. فقد جرى تداول اسم «أرض الصومال» كإحدى الوجهات المحتملة، ما يضفي على الخطوة طابعًا استعماريًا–ديموغرافيًا، ويحوّل الإقليم إلى حلقة في مشروع تفريغ فلسطين من سكانها.
تداعيات عربية وأفريقية
الاعتراف الإسرائيلي قوبل بإدانات واسعة من مصر وتركيا ودول عربية وإسلامية، حذّرت من تهديده المباشر لأمن البحر الأحمر وباب المندب، وانعكاساته الخطيرة على أمن اليمن ومصر والمنطقة. كما رفض الاتحاد الأفريقي أي اعتراف أحادي، مؤكدًا مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عند الاستقلال.
الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» ليس حدثًا معزولًا، بل حلقة متقدمة في مشروع إعادة هندسة الجغرافيا السياسية للقرن الأفريقي والبحر الأحمر، عبر تفكيك الدول الهشة، واستخدام الكيانات الانفصالية أدواتٍ للنفوذ العسكري والاقتصادي. وفي ظل التردد الأمريكي، والدور الإماراتي–الإثيوبي المتنامي، وغياب موقف عربي موحد، تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة أكثر اضطرابًا، حيث يتحول أمن البحر الأحمر وباب المندب واليمن إلى رهينة لمشاريع الهيمنة والتطبيع وتغيير الخرائط.



