المشكلة سياسات السعوديّة والإمارات تجاه الشعب اليمني

بقلم/ شاهر أحمد عمير
لطالما حاولت بعض وسائل الإعلام المرتبطة بالتحالف تصوير الصراع القائم على أنه مواجهة بين الشعب اليمني والشعب السعوديّ، وكأن هناك عداءً تاريخيًّا أَو خصومة اجتماعية بين البلدين.
غير أن الواقع أعمق من أن يُختزل في دعاية سياسية: لا مشكلة لليمنيين مع الشعب السعوديّ، ولا خصومة بين الشعبين اللذين تجمعهما الجغرافيا والدين والمصالح والأواصر الممتدة عبر عقود طويلة.
المشكلة الحقيقية تكمن في السياسات العدوانية التي مارستها الأنظمة السعوديّة والإماراتية ضد اليمن، وفي المشاريع التي استهدفت الأرض والإنسان والسيادة والثروة.
الشعب اليمني يدرك تمام الإدراك أن المواطن السعوديّ البسيط ليس طرفًا في الحرب، ولا علاقة له بالقرار السياسي الذي اتُّخذ في الرياض لشن العدوان.
اليمنيون يعرفون أن ملايين السعوديّين أنفسهم كانوا يرفضون الحرب منذ يومها الأول، وأن كَثيرًا منهم وقفوا موقفًا أخلاقيًّا واضحًا تجاه معاناة اليمنيين، بعيدًا عن خطاب التحريض الذي صاغته غرف الإعلام الممولة.
لكن السياسات التي اتبعتها الرياض وأبوظبي في اليمن لم تكن مُجَـرّد تدخل عابر، بل مشروعًا ممنهجًا هدفه تمزيق اليمن وإضعافه والسيطرة على قراره واستنزاف موارده.
ما حدث في المحافظات المحتلّة من فوضى واغتيالات، وما جرى في السواحل من نهب للثروات، وما شهدته الجزر اليمنية من عسكرة واحتلال، وما مارسته أدوات التحالف من انتهاكات بحق المواطنين، كُـلّ ذلك كشف بوضوح أن الأزمة ليست أزمة “خلاف سياسي” عابر، بل أزمة مشروع استعماري تقوده أنظمة تبحث عن الهيمنة والنفوذ.
لم تكن القضية يومًا بين الشعوب، بل بين خيارات الأنظمة.
فالأنظمة السعوديّة والإماراتية، منذ بداية العدوان، تعاملت مع اليمن وكأنه ساحة مفتوحة لمصالحها، دون احترام لجيرته أَو لعمقه التاريخي أَو لحقه في السيادة.
اختطفت ما سمّته “شرعية”، ثم استخدمتها كغطاء لتدمير ما تبقى من الدولة؛ دعمت مشاريع التقسيم، وأقامت كيانات مصطنعة، وزرعت مليشيات متعددة الولاءات، واستباحت القرار اليمني السياسي والاقتصادي والعسكري.
وفي المقابل، لم يرفع اليمنيون سلاحهم في وجه الشعب السعوديّ، ولم يزجّوا بخطاب الكراهية في المعركة.
صمودهم كان دفاعًا عن بلدهم وحدوده وقراره وسيادته.
وهذا يؤكّـد أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل بين إرادَة احتلال وإرادَة حرية.
اليوم، المشهد يتضح أكثر: الشعوب في المنطقة تتقارب وتتواصل، بينما الأنظمة المرتبطة بالمشاريع الأمريكية والإسرائيلية هي التي تصنع الأزمات وتغذي التوترات.
وما موقف الأنظمة السعوديّة والإماراتية من حرب غزة إلا دليل إضافي على أن المشكلة ليست في الشعوب، بل في سياسات حكومات اختارت الاصطفاف خارج إرادَة الأُمَّــة.
الشعب اليمني يقف اليوم ليقول الحقيقة كما هي: لا عداء بيننا وبين الشعب السعوديّ، ولا خصومة مع أهل الخليج، بل مشكلتنا مع السياسات العدوانية التي مارستها حكومات الرياض وأبوظبي بحق بلدنا.
ومع ذلك، يبقى الباب مفتوحًا أمام من يريد العودة إلى علاقات الجوار الحقيقية، القائمة على الاحترام والسيادة والتعاون، لا على الهيمنة والتبعية.
اليمنيون لا يحملون مشروعًا عدائيًّا تجاه أحد، لكنهم في الوقت نفسه لن يسمحوا لأحد أن يمسّ كرامتهم أَو سيادتهم أَو أرضهم.
هذه المعادلة هي أَسَاس السلام العادل، وأَسَاس أية علاقة مستقبلية بين اليمن وجيرانه.
فالشعوب تبقى على وَدِّها، والأنظمة وحدها هي التي تتغيّر، والتاريخ لا يحفظ إلا مواقف الشعوب التي اختارت الكرامة، وصمود الأمم التي واجهت العدوان بثبات وإيمان.


