كتابات

سلاح المقاومة والوصاية الأمريكية.. اختبار إرادة لبنان وسيادته

بقلم/ فهد شاكر أبوراس

تتشكل معركة واشنطن الحالية ضد حزب الله ليس كفصل عسكري منعزل، بل كحرب وجود شاملة تدار من قلب الإستراتيجية الأمريكية.
وهي حرب تهدف إلى ما هو أبعد بكثير من مجرد نزع سلاح عسكري؛ إنها تستهدف محو مشروع المقاومة بوصفه ظاهرة وطنية شعبية وكتلة سياسية مؤثرة، وصولاً إلى شطب إرادة شعب يرفض الوصاية ويصر على حقه في الدفاع عن سيادته.
وهذا ما تؤكده التصريحات الأمريكية العلنية التي لا تكتفي بذكر نزع السلاح بل تتحدث صراحة عن “مصلحة مع شركاء واشنطن الإقليميين في نزع سلاح الحزب”، مما يكشف طابعها التحالفي الإقليمي الواسع ضد خيار المقاومة.
لقد وضع الشيخ نعيم قاسم يده على الجرح بقوله أن الحرب على حزب الله حرب وجود، وهي رؤية تستند إلى قراءة عميقة لمجمل الضغوط التي يتعرض لها لبنان، حيث أن الهجمة الأمريكية لا تنفصل عن الدعم غير المحدود للعدوان الإسرائيلي اليومي، الذي يستمر في خرق أجواء لبنان واستهداف أبنائه وممتلكاته حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار، مما يفقد هذا الاتفاق مصداقيته ويطرح سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن الحديث عن نزع سلاح المقاومة بينما العدو يمارس عدوانه علناً ولا يلتزم بأي من التزاماته.؟!
لقد أصبح واضحاً أن الهدف المعلن للضغوط الأمريكية والإسرائيلية هو تجريد لبنان من أداته الرادعة، وهذا ما عبر عنه قاسم بقوله إنهم يريدون “إلغاء وجودنا، ونزع السلاح، وتجفيف المال ومنع الإعمار، وهدم البيوت”، مما يجعل المعركة معركة حياة أو موت للمشروع الوطني المقاوم برمته.
محاولات تصوير حزب الله على أنه مجرد ميليشيا أو أداة خارجية تتجاهل تماماً جذوره العميقة في النسيج الاجتماعي والسياسي اللبناني وتاريخه النضالي الطويل الذي بدأ كرد فعل طبيعي على الغزو الإسرائيلي، وسرعان ما أصبح فاعل وطني شامل، وارتبط وجوده في الوعي الجمعي اللبناني بإنجازات تاريخية ملموسة، أولها تحرير الجنوب في عام 2000 دون قيد أو شرط، وهو الإنجاز الذي شكل صفعة استراتيجية للمشروع الإسرائيلي وأعاد الاعتبار لخيار المقاومة المسلحة في المنطقة.
ثم جاء انتصار تموز 2006، حيث صمد الحزب أمام آلة حرب إسرائيلية مدمرة لمدة 33 يوماً وخرج منها مكرساً معادلة ردع جديدة حمت لبنان لسنوات طويلة من أي عدوان واسع النطاق.
إن قلب المعركة اليوم يدور حول سلاح المقاومة، ولكن الحقيقة التي لا يدركها الجميع هي أن هذا السلاح ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لضمانة استراتيجية، وقد تحول في العقود الماضية إلى جزء من معادلة دفاعية وطنية تكميلية يتحدث عنها الكثيرون تحت عنوان “الجيش والشعب والمقاومة”، وهذه المعادلة لم تكن شعاراً بل جرى اختبارها عملياً في معارك تحرير الجرود الشرقية من تنظيمي داعش والنصرة عام 2017، حيث تعاون الجيش اللبناني والمقاومة في تطهير الحدود.
لذلك، فإن المطالبة بنزع هذا السلاح تحت ضغط العدوان المستمر والإملاءات الخارجية، ودون ضمانات حقيقية بوقف هذا العدوان وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة، هي بمثابة دعوة لتجريد لبنان من أي قدرة على الردع وتركه ساحة مفتوحة للعدو.
وإصرار حزب الله على ربط أي حديث عن السلاح بالاستراتيجية الدفاعية الوطنية وليس بالإملاءات الخارجية هو موقف يستند إلى هذا المنطق السيادي، حيث يرفض القيام بـ “تنازل مجاني” لإسرائيل كما وصف المشاركة المدنية في لجنة المراقبة.
ولا تنفصل هذه المعركة العسكرية والسياسية عن حرب ناعمة شاملة تستخدم فيها واشنطن كل أدواتها، ابتداء من الحصار الاقتصادي والمالي الذي يمنع إعادة إعمار ما دمره العدوان، بهدف “تجفيف الحياة في لبنان وإضعاف مجتمعه المقاوم” مروراً بالضغوط على القطاع المصرفي وتهديد المساعدات الدولية، ووصولاً إلى التدخل السافر في الشؤون الداخلية ومنها محاولة تغيير قانون الانتخابات النيابية بهدف التأثير على التوازنات السياسية الداخلية وعزل مكونات معينة، وكل هذه الأدوات هي أجزاء من خطة واحدة أطلق عليها اسم “الدرع الذهبي” وفقاً لتسريبات إعلامية، والتي تهدف إلى شراء السلاح الفردي والثقيل بمبالغ مالية كبيرة، وإطلاق حملات إعلامية لتقليص النفوذ الشعبي للحزب.
إنها محاولة لقلب المعادلة الداخلية بعيداً عن أي حوار وطني سيادي، وفرض حلول عبر الوصاية، وهذا ما ترفضه كتلة الوفاء للمقاومة في بيانها عندما تدين “المساعي الأميركية لتشديد الحصار المالي على لبنان” و”فرض الوصاية المالية”.
أمام هذا المشهد المعقد، يبقى سؤال المصير: ما هو الخيار اللبناني.؟!
إن المسار الذي تدفع إليه واشنطن، عبر تحميل الجيش اللبناني مهمة مستحيلة تتمثل في نزع سلاح قوة راسخة دون تقديم ضمانات أمنية، وبدون تحقيق الانسحاب الإسرائيلي أولاً، هو مسار مليء بالمخاطر وقد يؤدي إلى توترات داخلية كبيرة.
أن معركة واشنطن ضد حزب الله هي اختبار حقيقي لإرادة لبنان وسيادته، وأن ثمن التنازل سيكون باهظاً جداً، ليس فقط بفقدان أداة الردع، بل بفقدان القدرة على اتخاذ القرار المستقل والدخول في نفق التبعية من جديد.
فالمقاومة، بسلاحها ومشروعها السياسي والاجتماعي، تجسد رفضاً تاريخياً لهذا المصير، والصمود في وجه هذه الحرب الشاملة هو الضامن الوحيد لإبقاء لبنان سيداً حراً، كما تردد بياناته الرسمية.، بسلاحها ومشروعها السياسي والاجتماعي، تجسد رفضاً تاريخياً لهذا المصير، والصمود في وجه هذه الحرب الشاملة هو الضامن الوحيد لإبقاء لبنان سيداً حراً، كما تردد بياناته الرسمية.
النتيجة ليست محسومة عسكرياً فحسب، بل هي معركة إرادات يدرك فيها خصوم المقاومة أن شطب مكون جذري وأصيل من جسم لبنان مثل حزب الله هو مغامرة غير محسوبة العواقب، وأن من يسير في هذا المشروع التصفوي سيدفع ثمناً كبيراً على استقرار لبنان والمنطقة بأسرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com