كتابات

ليسوا إخوانًا، على الأقل

بقلم / مصطفى عامر

في أواخر الاربعينيات، وحينما ضُيّق الخناق على تنظيم الاخوان نشر حسن البنا مقالًا شهيرًا للغاية تبرأ فيه من التنظيم الخاص، وهو التنظيم الذي أشرف على إنشائه حسن البنا شخصيًّا في أواخر الثلاثينيات ليكون ذراعه اليمنى مرهوبة الجانب.

لم يشفع لحسن البنا تبرؤه من أخلص الناس إليه، ولم يلبث كثيرًا بعد مقاله آنف الذكر حتّى تمّ اغتياله في واقعةٍ شهيرةٍ أيضًا.

على أنّ السؤال الذي لم يمت بمقتل البنا كان بالغ الوضوح: هل تبرأ حسن البنا من أقرب الناس إليه على ذلك النحو استهجانًا لما فعلوه، أم خوفًا من تضييق الخناق عليه؟ هل تركهم على قارعة الطريق لأنهم اختاروا طريقًا مختلفًا عن طريقه، أم تركهم لأنهم أصبحوا بعد القبض عليهم عبئًا زائدًا ينبغي التخلّص منه؟

يحلو لمؤرخيّ الاخوان تسويق القصة التي تقول بأنّ حسن البنا كان حزينًا مما يفعله التنظيم الخاص، وأنّه أسرّ بهذا الأمر لأحد أقرب مُقرّبيه أثناء سيرهما معًا على كورنيش النيل، ويُحكى أنه قال لخليله حينها أنّه لو استقبل من أمره ما استدبر ما أقدم على هذا الأمر؛ أي: إنشاء التنظيم الخاص.

تُنسب إلى التنظيم الخاص فظائع كثيرة ارتكبها خلال فترة الاربعينيات، وكان بمقدور حسن البنا التبرؤ من هذا التنظيم في أيّ توقيتٍ سابق على تاريخ تضييق الخناق على تنظيم الاخوان برمته والتنظيم الخاص على وجه التحديد، والطّبيعي من رجلٍ مؤمنٍ صادقٍ تضعه أدبيّات الأخوان في مرتبةٍ تقترب من القداسة أن يعلن انحيازه للحق فور معرفته به، وكان المتوقّع من شخصٍ بهذا السّمو أن يتبرأ من أفعال التنظيم الخاص في عزّ قوّته، لكنّه اختار اللحظة التي ذهب فيها أقرب المقربين إليه إلى السجن، وفي عزّ حاجتهم إليه وذروة استضعاف الناس لهم قال لهم ببساطةٍ بالغة: عفوًا، لكنّكم لستم إخوانًا لي، كما أنّكم لستم مسلمين بالمناسبة!

قصصٌ كثيرةٌ جاهزةٌ للسّرد عن ماهية تعامل الإخوان مع إخوانهم، وعن كيفيّة انقلابهم عليهم، وحينما تصبح في وقتٍ ما إخوانيًّا سابقًا فإنّ أشرس ناهشيك سوف يكونون أقرب النّاس إليك، من قاسمتهم كلّ شيءٍ من الأكل والرّحلات وحتى جلسات الذكر والنميمة.

على الصعيد الإنساني البحت فإن الإخوانيّ الفرد جاهزٌ للتخلّي عن أقرب المقربين إليه عند أوّل منعطف، وعلى الصعيد التنظيمي فإنّ التاريخ يخبرنا وعلى نحوٍ مملٍّ كيفية انقلاب الاخوان على حلفائهم، ويكفي للتذكير في هذا الصّدد الإشارة- مثلًا- إلى أن علي عبدالله صالح كان مرشّح الإصلاح للرئاسة في عام ١٩٩٩م، وقد كانوا آنذاك أشد فتكًا بمعارضيه من أعضاء حزبه الفعليّين.

وعلى مدار العامين السابقين- على سبيل المثال أيضًا- كانوا أشدّ النّاس ترحيبًا بتحالف العدوان، ولا أحدٌ قدّم الشكر لسلمان في هذين العامين أكثر من أعضاء الإصلاح، وحينما يسقط تحالف الوهم- وهذا ليس محض تنبؤ- فإنّ الإخوان سيكونون أشدّ ناهشيه فتكًا، وبالضبط في الوقت الذي تحتقر فيه خريطة مشيخات النفط ذاتها وتنقسم أنصافًا عديدة فإنّ أعضاء الاخوان سيكونون في طليعة الذين يسطّرون للنّاس بطولاتهم في مقارعة أعراب الخليج!

فبعد رابعة على سبيل المثال لم يكن أحدٌ يتصوّر أن ينسى إخوان اليمن دم إخوانهم في رابعة، لقد أوشكوا أن يقطعوا إصبعهم الخامسة حتى إذا رفعوها ذكّرونا بإجرام السيسي بحقّ إخوانهم هناك، لكنّهم وبمجرّد احتشاد السيسي مع الأعراب في أقذر حربٍ تُشنّ على بلدتهم لم يكونوا ليجدوا بأسًا في تمجيد السيسي ما دامت الصفقة تقتضي تمجيده.

لا عجب، فحين تُفتّش التاريخ بحثًا عن هامش الثابت والمتحوّل في تنظيم الإخوان فإنك ستخرج بنتيجةٍ مثيرةٍ للفزع تخبرك بأنّ تاريخ الإخوان محض متحولاتٍ لا يحكمها ثابت، حتّى فكرة الخلافة التي استخدموها لإقصاء كافة الثوابت بما فيها فكرة الوطن، حينما اقتضت المصلحة إعدامها فقد جزُّوا رقبتها- وياللمفارقة!- بفكرة الوطن.

هكذا، وعلى هذه الكيفية بالضّبط، يمرّ الوقت ويتخلّى فيه الإخوانيّ عن كلّ أخٍ وعن كلّ وطنٍ وعن كلّ فكرة، يصبحٌ فيما بعدُ مسخًا محضًا جاهزًا لبيع كلّ شيءٍ في مقابل أيّ شيء؛ وإذا حدث أن هبّت عليك أيّها الإخوانيّ طيّب القلب- فردًا كنت أو تنظيمًا- ريحٌ عاصفٌ في يومٍ ما فلا تركن إلى الإخوانيّ صديقك؛ فاليدوميّ على سبيل التذكير- حينما ضاقت الأرض على الإخوان بما رحبت- قال في تصريحٍ شهيرٍ وقبل وقتٍ غير بعيدٍ بأنّ حزب الإصلاح لا علاقة له البتّة بتنظيم الإخوان.

قرأت تصريحه آنذاك بأناة، ابتسمت بهدوء، ثم أخذتني الذاكرة في اتجاهٍ وحيدٍ إجباريٍّ نحو مقال حسن البنا القديم للغاية الذي كان عنوانه:

ليسوا إخوانًا، وليسوا مسلمين!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com