اراء وتحليلات

آل سعود الهروب.. من الوهَّـابية إلى فخ صحيح البخاري

بقلم/د. حبيب الرميمة

بعد صدور أمر الديوان الملكي السعوديّ بتاريخ 27 يناير 2022م؛ باعتبَار يوم 22 فبراير من كُـلّ عام يوماً وطنياً وعطلة رسمية تحت مسمى يوم التأسيس، معللاً ذلك بتوطيد جذور الأسرة الحاكمة لآل سعود.

لوحظ أن هذا المرسوم أحدث حالة من الانقسام لدى المحللين السياسيين حول توقيت إصداره!

البعض رأى أن هذا المرسوم يأتي من باب الخطوات التصعيدية التي ينتهجها الملك السعوديّ وابنه محمد بن سلمان في سبيل التخلص من التدوين التاريخي الذي يؤرخ قيام الدولة السعوديّة الأولى منذ اتّفاق الدرعية بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهَّـاب 1744م، استجابةً للضغوط الدولية خُصُوصاً الأمريكية والغربية بفك الارتباط بين أسرة آل سعود والمذهب الوهَّـابي المتهم أَسَاساً كفقاسة للتنظيمات الإرهابية الدولية أمثال لقاعدة وَداعش وأخواتها.. والتي لم تعد أسرة آل سعود تتحمل المزيد من الابتزازات السياسية المالية التي تنفقها منذ حوالي عشرين عاماً من هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

والبعض يرى أن هذا المرسوم له علاقة بالصراع الداخلي الذي يدور داخل أسرة آل سعود، وهو يجسد صورة الهروب من ذهنية المؤسّس للملكة السعوديّة (عبد العزيز بن سعود) والتي ترسخت عمليًّا بضرورة أن يكون الحكم في أبناءه من بعده، لتوحي أن المملكة تمتد جذورها إلى ما قبل عبد العزيز بن سعود بأكثر من مِئة عام.

بينما هناك من يربط تجاوز هذا المرسوم لأبعاده الداخلية ليتعدى ترسيخ الذاكرة لدى الأسر الملكية في الخليج في خضم الصراع الخفي بينها والتي تحاولُ بعضَ المشيخات لعبَ دورٍ كَبيرٍ يتجاوز آل سعود.

باعتقادنا: أياً كان الحالُ بصحة جميع التحليلات السابقة أو أحدها، فَـإنَّ ما أبان عنه هذا المرسوم هو المأزق الكبير التي تواجهه العائلة المالكة في السعوديّة -سلمان وأولاده بشكل خاص وأسرة آل سعود بشكل عام-!

فلو افترضنا بصحة الرأي الذي يفسر هذا المرسوم للهروب إلى جذور الأسرة، ونشأتها في الدرعية؛ بهَدفِ تقليص نفوذ أبناء عبد العزيز بن سعود داخل الأسرة؛ باعتبَار أنه واحد من سلسلة امتدادات أسرة آل سعود وليس كما درجت عليه الذاكرة خلال الخمسين سنة الماضية بأنه المؤسّس، لكن هذا سيفتح الباب واسعاً أمام التاريخ الدامي داخل منطقة نجد والحجاز وَعسير وأبو عريش، وستفتح الذاكرة على مصراعيها بين القبائل والعشائر في إقليم نجد وكيف عاث محمد بن سعود بتحالفه مع الوهَّـابية برجال وشيوخ القبائل في تلك المناطق؛ مِن أجلِ إخضاعها، ولن يستطيع آل سعود ردم تلك الهوة سواء في الغزوات التي قادها محمد بن سعود بنفسه مع محمد بن عبد الوهَّـاب والصراع الدامي مع بقية القبائل بغية إخضاعها، ثم الصراع الدامي في عهد عبد العزيز بن محمد آل سعود وهي حقبة لا تقتصر على تأجيج الأحقاد داخل القبائل في نجد الواقعة اليوم تحت حكم آل سعود بل تتعدى إلى الممالك المجاورة لها والمآسي التي ارتكبها إبراهيم بن عفيصان قائد جيش عبد العزيز بن محمد آل سعود بآل خليفة (العتوب) عند غزوه قطر1793م، والبحرين واقتيادهم إلى الدرعية ونصب نفسه أميراً عليهما، والصراع مع آل الصباح عند محاولة غزوه للكويت 1793م والتي باءت بالفشل، مُرورًا باحتلاله البريمي في عمان 1995م.

وُصُـولاً إلى الصراع الدامي في أبو عريش مع حمود أبي مسمار..، وفوق هذا وذاك ستفتح الذاكرة عن الصراعات التي حصلت داخل الأسرة الحاكمة نفسها فيما تسمى الدولة السعوديّة الثانية وهو تاريخ مرير مليء بالاغتيالات والمؤامرات داخل الأسرة، ثم الجرائم التي ارتكبها جيش عبد العزيز آل سعود المسمى إخوان من أطاع الله، في جميع أقطار الجزيرة العربية ابتداء بالصراع مع أسرة آل الرشيد في حائل إلى إخضاع قبائل الحجاز مُرورًا بمجزرة تنومة بحق الحجاج اليمنيين 1923م، كُـلّ هذا لا بُـدَّ أن يفتح كتاريخ بسلبياته وإيجابياته، وهو حتماً سيؤثر بلا شك على تصدع الهُــوِيَّة الداخلية داخل (السعوديّة) والتي حرص عبد العزيز آل سعود وكلّ من جاء بعده على تكريسها، وقراءة تاريخها منذ إعلان توحيد نجد والحجاز 1932م تحت مسمى (المملكة العربية السعوديّة) أملاً منهم بتجاوز تلك الحقبة الدامية سواءً مع القبائل التي انضوت تحت حكم آل سعود أو مع بقية الأسر الحاكمة في الخليج.

ولو افترضنا بصحة الرأي الذي يفسر هذا المرسوم فكاكاً من الوهَّـابية المتهمة عالميًّا كفقاسة للتنظيمات الإرهابية، بعدم قراءة تاريخ الدولة السعوديّة الأولى –كما هو معلوم- منذ اتّفاق الدرعية بين محمد بن سعود وَمحمد بن عبد الوهَّـاب عام 1744م، وتقاسم الأسرتين السلطة الدينية والزمنية، وأن الأمر يعود إلى تأسيس الدرعية، وما سيتبعه من الحديث عن جد محمد بن سعود تحديداً الجد الأكبر مانع بن ربيعة المرادي، فهم بهذا يقعون في مأزق أخطر من مأزق الوهَّـابية؛ لأَنَّها ستترسخ عند الشعوب العربية والإسلامية حقيقة طالما ساورت تاريخهم حول خروج قرن الشيطان من نجد، حقيقة لم يسطع حتى مشايخ الوهابية تحريفها لورودها في صحيح البخاري كتشخيص موضوعي، فكيف يكون الأمر في صيغتها الشخصية التي حدّدها رسول الله -صلوات الله عليه وآله- بالنظر إلى الرواية التي وردت في صحيح البخاري، -والذي يعتبر عند كثير من علماء الأُمَّــة بما فيهم الوهَّـابية ما ورد فيه يفيد علم الاطمئنان؛ باعتبَار أنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم- في الحديث رقم (5303) بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشار بيده نحو اليمن وقال (الإيمان هاهنا-مرتين- ألا وإن قسوة وغلظ القلوب في الفدادين، حَيثُ يطلع قرن الشيطان ربيعة ومضر).

وربيعة هذا هو أب مانع الذي يراد أن يؤسس كجدهم الأكبر، ومضر هي القبيلة التي ينحدر منها محمد بن عبد الوهَّـاب؛ ولأنهم يدركون هذه الحقيقة ويعملون على إخفائها، لوحظ أن الشروح التي رافقت المرسوم الملكي لجد آل سعود الأكبر جاء بمسمى مانع المريدي دون ذكر ربيعة!!

خلاصة القول هنا: إن اعتماد يوم التأسيس والذي يحضر كيوم وطني في الأيّام القادمة مهما كانت مبرّراته، بالتأكيد سيخلق شرخاً داخل المملكة وخارجها، وسيؤسس لهُــوِيَّات دينية وقومية، وسيجد الكثير منهم غير معني بهذا اليوم مثل أبناء الحجاز وعسير ونجران وجيزان وتبوك والجوف في أقصى شمال المملكة، وستجد كثير من الأسر الملكية المجاورة في هذا التأسيس ذاكرة مشبعة بالإهانة والصراع التاريخي، وَإذَا كان آل سعود فكت ارتباطها بالوهَّـابية المصنفة كفقاسة للتنظيمات الإرهابية، فَـإنَّها وقعت في شرك أخطر بكثير عندما يبدأ الناس بالبحث عن تاريخ الأسرة من مانع بن ربيعة وربطه بحديث الرسول -صلوات الله عليه وآله- في صحيح البخاري أن قرن الشيطان يخرج من ربيعة ومضر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com