ملفــات سـاخنـــة

سكان المقابر في غزة… أمنيات لا تتجاوز الحصول على مأوى لا يزاحمون فيها الموتى قبورهم

اصطف بعض أطفالهم من كلا الجنسين في طابور طويل على الأبواب المتعددة للمقبرة? وانتشر البعض الآخر بين شواهد القبور? حملوا بين أيديهم جالونات وزجاجات بلاستيكية من مختلف الأحجام والأنواع والألوان المليئة بالماء? كلا?ٍ منهم يسارع الخطى نحو القادمين الجدد من المواطنين الذين يحملون على أكتافهم نعشا?ٍ يضم بين جنباته جثمان ميت عزيز على أهله? وألسنتهم تلهث بالدعاء له بالمغفرة والرحمة.
يحاولوا جاهدين أكثر من مرة التسلل بين جموع المشيعين للوصول إلى حافة القبر? ي?ْطردوا المرة تلو الأخرى? وي?ْسحبوا من ياقات قمصانهم البالية إلى الخلف? ي?ْعن??ِفوا من البعض إن لم يكن من الجميع? ولكنهم في نهاية المطاف يصلون بشق الأنفس إلى مبتغاهم? فيجلسون عند حافة القبر بالقرب من رأس الميت? وما إن يوارى جثمانه الثرى? حتى تمتد أيديهم بما يحملونه من أوعية مليئة بالماء لترطيب القبر? وسد شقوقه بالطين المخلوط بالماء.
قد يعتقد البعض للوهلة الأولى أن جلب الأطفال للماء ومد المشيعين به? يأتي من باب كسب الحسنات? ولكن ما إن ينتهي الجميع من دفن موتاهم ويهمون بالمغادرة? حتى تتكشف حقيقة الأمر حين تشاهد عشرات الأيدي الصغيرة ممتدة من كل حدب وصوب نحو الجميع دون استثناء? فهدا ي?ْطلب ثمنا?ٍ لزجاجته? وذاك يطلب ثمنا?ٍ لجالونه? وتلك تقف على باب المقبرة تستجدي المغادرين للحصول على بعض النقود كونه لم ي?ْسمح لها بالتسلل كأقرانها الأطفال من الذكور بين جموع المشيعين.
هذه المهنة الجديدة القديمة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء ممن يسكنون المقابر ويزاحمون الموتى العيش بجوار قبورهم? أو من يقطنون بمحاذاتها من العائلات الفقيرة في غزة المحاصرة? لجأوا إليها أو أ?ْجبروا على ذلك? كونهم لم يجدوا ما يسدون به رمق جوعهم? ولا ظمأ عطشهم? في ظل مجتمع لم ي?ْع?ير?ْهم فيه أحد انتباهه? فينتشلهم من براثن الفقر المدقع? وسوط الجهل اللاسع.
هناك حيث لا حياة… حيث السكون دائم… اتخذوا لهم مأوى? أطفال ونساء وشيوخ يعيشون كالأموات? لا يختلفون عنهم إلا بقلوبهم التي لا تزال تنبض… لم يكن ذلك المكان خيارهم? بل لأنهم لم يعرفوا غيره… أجبرتهم عليه الظروف بعد ما ضاقت بهم أرض الأحياء فلجأوا إلى أخرى? أو لرب?ما كان سهلا أن يحتلوها لأنه لم يشأ سكانها المسالمون الدفاع عنها فلا حول لهم ولا قوه? لكن ضريبة العيش لم تكن أبدا سهله عليهم? فقد تلونت حياتهم بالسواد وامتزجت بنكهة الموت? يتظاهرون بأن الأمر أصبح طبيعيا لديهم? لكن مآسيهم وأوجاعهم وهمومهم تتحدث عن  أحلامهم التي لم تتخط??ِ أربعة جدران خارج المدافن وجيران غير الموتى…
فهل أصبح السكن في مقابر القطاع ظاهرة فحسب? أم أنها تحولت إلى مأساة داخل المأساة?? وهل الحصار? والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سكان القطاع هي التي اضطرت العشرات?ْ من عائلات غزة إلى مزاحمة الموتى والعيش بجوار قبورهم? وهل الحياة بجوار الموتى سهلة? أم أن كل شيء هناك يذكرهم بالموت? ويسرق منهم حتى ل?ْحيظات? إحساسهم بالحياة? وما هو التأثير النفسي والاجتماعي الذي يترتب على الأطفال لمشاهدتهم اليومية لجنائز الموتى? وما هو دور المؤسسات الحكومية والأهلية للحد من هذه الظاهرة في ظل نذرة المساكن وقلة ذات اليد?.

شعبان: تدمير المنازل سبب في انتشار الظاهرة

وفي هذا السياق يقول المختص في الشئون الاقتصادية? والخبير في التنمية البشرية عمر شعبان إن لانتشار ظاهرة السكن في المقابر ومجاورة الموتى قبورهم عاملين أساسين هما السبب في ازدياد هذه الظاهرة? أولهما حالة الفقر الشديد التي يعيشها معظم سكان غزة? والذي يزيد عددهم عن الثلثين? وبالتالي أصبحت هذه العائلات غير قادرة على توفير أي خدمات لنفسها أو لأبنائها أو إعطائهم الاهتمام الكافي من ناحية الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية? وثانيا?ٍ زيادة عدد المواليد في القطاع? حيث بلغ نحو 200 ألف مولود جديد منذ بدء الحصار على غزة? الأمر الذي زاد من عدد سكان القطاع ليصل إلى نحو 1.8 مليون نسمة? وهذه الزيادة رافقها تدمير نحو 5 آلاف منزل? و7 آلاف شقة سكنية? الأمر الذي أدى إلى تفاقم أزمة السكن.
وأضاف شعبان? وبالتالي أصبح هناك بيوت مزدحمة بالسكان? حيث أن عائلتين أو أكثر أصبحت تعيش في بيت واحد? وهذا ما جعل البعض يلجئون إلى الهرب إلى المقابر للسكن المجاني بجوار الموتى.
وأشار إلى أن هناك مسئولية كبرى تقع على عاتق المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكنا?ٍ اتجاه الحصار الجائر المفروض على القطاع منذ أكثر من أربع سنوات? ولم يصرف فلسا?ٍ واحدا?ٍ في إعادة إعمار البيوت المدمرة? أو إقامة مشاريع  إنتاجية تقضي أو تحد من حالة الفقر المستفحلة? بل انكبوا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com