اراء وتحليلات

الحزب وتفعيل المسألة الثقافية

ظلت المسألة الثقافية في الحزب ولفترة طويلة? أسيرة المفهوم العام للثقافة? تقتات على مائدة الآخر? دونما إسهام يذكر في إغناء الحياة الحزبية? عبر تأصيل وتطوير الموروث الثقافي ذات الخصوصية الحزبية? والمنصرفة إلى قضايا الواقع والمجتمع والهموم المباشرة للإنسان العربي? ترتب على ذلك بقاء الرفيق الحزبي منفعلا?ٍ بالمؤثرات الطارئة والعناوين المتسارعة لأحداث الواقع? ورهين الطروحات المتنوعة لقضايا الإنسان وأمته العربية? وتصبح الثقافة لديه مجرد نص سكوني? لا يهتم بالوجود? بل بالنص الذي يستهلكه ويعيد إنتاجه من جديد صباح مساء.

بطبيعة الحال? لا يقصد من هذه المقدمة? انتقاصا?ٍ من المحاولات المبذولة من قبل الجهات المعنية بالمسألة الثقافية ولا قدراتها? رغم محدودية هذه القدرات? في تفعيل المسألة الثقافية? غير أن ما نهدف إليه هو التركيز على حالة الضمور والتراجع في الإسهام الثقافي لحزب عريق في دنيا الثقافة والسياسة العربيين? ومساءلة القضايا والتحديات التي حالت دون إعطاء هذه المسألة حقها من الاهتمام والرعاية الحزبيين.

نعرف? أن الثقافة هي نتاج مركب لعلاقات البشر في التعبير عن وعيهم لعالمهم الذي يعيشون فيه? ويكو?نون مفاهيمهم عنه? وكما أن الواقع حالة تغيير دائم? فالثقافة ليست كتلة جامدة? وإنما هي توتر دائم بين الوعي والوجود? الذات والموضوع? الراهن والتصور المستقبلي? وبقدر استيعاب الذات لقوانين حركة الواقع وتفعيل عوامل القوة فيه? بقدر ما تؤسس لمجتمع ينعم بالتقدم والاستقرار? والعكس يحصل عندما تتوقف الثقافة باعتبارها وعيا?ٍ جمعيا?ٍ منظما?ٍ? عن فهم واستيعاب واقعها? فالأنساق الثقافية التي تكون في مرحلة ما عاملا?ٍ من عوامل التقدم والنمو? قد تصبح في مراحل لاحقة? عوامل كابحة وعاجزة عن استيعاب المتغيرات والمستجدات التي يفرزها الواقع? يتم ذلك عندما يحصل الانفصام بين الوعي والواقع? وتفقد الأمة قدرتها على التحكم بنفسها وبمحيطها.. هنا تصبح ثقافة الأمة عرضة للضمور والموت.

لم يعد خافيا على القيادة? أن المسألة الثقافية للحزب أضحت تعاني من ظواهر مرضية تلامس كافة البنى الحزبية? منها الإلغائية والإقصائية التي ترفض الآخر? وتقر بواحدية المنظور? ومنها القطعية التي تتحاشى الخوض في تواصلية التيار الثقافي. كما أن استمرار الوضع الثقافي بصيغه الراهنة لا يهدد الحزب فحسب? بل ويعرض ثقافة الأمة للتيه والضياع.

إن تدارك هذه المسألة? وتوفير الحوافز الضرورة لنهضة حقيقية? لا يتم عبر المعالجات الشكلية واستصدار القرارات الروتينية? بقدر ما يستوجب مراجعة شاملة لكافة جوانب العملية الحزبية? وتشخيص العارضة منها والمزمنة? واستقدام الإجابات الصحيحة للإشكاليات والتحديات التي تواجه الحزب والأمة. إن عملا?ٍ كهذا يستوجب تعريفا?ٍ محددا?ٍ للمسميات الثقافية في الحزب? والتي تميزها بالضرورة عن الأنساق الثقافية الأخرى في المجتمع? فنحن ننتسب إلى ثقافة جرى تحديد سوياتها وآلياتها عبر استيعاب موضوعي ودقيق لإشكاليات الأمة وتحدياتها? الداخلية منها والخارجية? وترتب على ذلك إقرار رؤية بعثية? حددت معالم النضال البعثي فكرا?ٍ وسلوكا?ٍ ضمن منظومة متكاملة من أدوات الفكر والممارسة للحزب القومي ككل.

في ذاك الزمن? كان العطاء الثقافي للحزب عامل توحيد لقوى المجتمع العربي الفاعلة? وكان الرفيق الحزبي ضابط وصل بين الواقع والحزب? يقرأ ويستقرئ حركة الواقع وتوجهاته? وينقل همومه وإشكالياته إلى سوياته الحزبية الأعلى? ليعاد صياغتها ردودا?ٍ وإجابات حاسمة لتلك القضايا والإشكاليات? وإغناء للثقافة والفكر الحزبيين? ثم جاء زمن تعطلت فيه الوظيفة الحزبية? حين توقف الحزب عن مزاولة دوره في رصد حركة الواقع والإنسان? وجرى إيكال هذه الوظائف إلى مؤسسات وقنوات الفعل الرسمي للحزب? وتدريجيا?ٍ بدأ مشوار الاغتراب الذي نشهد فصوله مع كل خطة أو نكسة تصيب أمتنا العربية? ولأن الثقافة كالطبيعة لا تعرف الفراغ? تسللت أنماط هجينة من الثقافات الغربية إلى الحزب? بعضها يتقمص شعارات الدروشة والارتداد إلى الكهنوت والبعض الآخر ليبراليا?ٍ يلبس رداء الانفتاح? للإجهاز على الوحدة الوطنية? والتي تستوجب حقا?ٍ معالجة فورية? سيما الشق الجبهوي منها? والكل يرى في الحالة الراهنة للحزب مجالا?ٍ حيويا?ٍ للاشتغال الحزبي? عبر قنوات التثقيف الذي تحمله إلينا نشرات وكتب الآخر وسجالات تبثها أقنيتنا المرئية منها والمسموعة? لقوى تد?عي حقوقا?ٍ على الشأن القومي.. وهكذا تداخلت ألوان الطيف الثقافي? وتعذر معه التمييز بين الثقافة الحزبية? وثقافة الغير? وأصبح كل رفيق يكتب بقلم ومداد غيره.

قد لا ينكر علينا أحد أسبقيتنا في إغناء وتفعيل الساحتين السياسية والثقافية وتكريس العديد من القيم والمبادئ القومية? التي شكلت في فترة ما? واقعا?ٍ نضاليا?ٍ وثقافيا?ٍ? نهلت منه كافة القوى التحررية في وطننا العربي? كما أنها لا تزال مصدر صدقية وإلهام للجماهير العربية? في ظل غياب ملحوظ للفعل الحزبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com