كتابات

حتـــى لا يتحـــول الحوار الى”خــــوار”

أجدادنا الأوائل بطروا النعمة وسئموا الرخاء الذي عاشوه? فكانت دعوتهم غريبة لا تستقيم مع العقل السليم ولا المنطق القويم? فكانت أسفارهم من اليمن إلى بلاد الشام في أمن وأمان وتوفر الرزق الرغيد? وحولهم قرى ظاهرة مقد?ر فيها السير ليلا?ٍ ونهارا?ٍ… ومن بوقتهم وعدم شكرهم للنعمة تمن?وا زوالها وتمن?وا طول الأسفار والكدح في المعيشة فقالوا: (ربنا باعد بين أسفارنا) وبهذه الدعوى الغبية ظلموا أنفسهم فاستجاب لهم الحق سبحانه فقال الله عز وجل: (فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق) أصبحوا أحاديث الناس ومضرب المثل فى بطر النعمة? لأن إبليس وسوس إليهم بذلك فأطاعوه واتبعوا نصائحه… وليس هناك من هم أغبى من قومنا في دعوتهم هذه إلا أولئك القوم الذين قالوا: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم) وكان الأولى بهم والأجدر أن يقولوا: (فاهدنا) وليس تمن?ي الحجارة أو العذاب الأليم? ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن اليمانيون اليوم أحسن عقلا?ٍ وإدراكا?ٍ من أجدادنا الأوائل الذين سألوا الله أن يباعد بين أسفارهم?!.
إن المتتبع لواقع اليمنيين ون?ْخبهم يلمس أن العقلية هي العقلية إن لم تكن أسوأ مما كانت عليه في ذلك الزمان!.
فها نحن اليوم نعيش نزقا?ٍ وبطرا?ٍ مع فقر مدقع ومعاناة شديدة? والشدائد غالبا?ٍ تعيد الإنسان إلى الحق وتجعله يستفيق من غي?ه? ولكن على عكس أجدادنا الذين بطروا النعمة بعد شبع وتمن?وا الأسفار وهم فى رخاء ونعيم وأمن.. أما نحن فحياتنا ضنك وأحوالنا شتات وبطوننا جوعى وفي نفس الوقت لم نتعظ? وكل فئة تعمل ضد الوطن دون مراعاة لوضع الناس ومعاناتهم!.
من هذه الفئات والجماعات والن?ْخب من تتجه بقبلتها شرقا?ٍ نحو فارس ومنهم من يتجه غربا?ٍ نحو أمريكا وأوروبا? ومنهم من يريد العودة بنا إلى عهد القطيع والعبيد? ومنهم من يعمل بالأجر اليومي? مع أية جهة تدفع? ومنهم من يعرض نفسه فى سوق النخاسة ولا يجد مشتريا?ٍ فيبيع دينا?ٍ لعله يجد رواجا?ٍ لبضاعته? والجميع تغيب لديهم قضية الوطن وبالتالي لا فرق بينهم سوى بالمسميات!!.
ووسط هذه الظلمات المتلاطمة هناك لا شك مخلصون لوطنهم ولكنهم أصبحوا غرباء فى وسط السواد الأعظم من هذه المكونات التي لا تكاد تفقه إلا الخراب والتخريب.
إن حالة اليمنيين قديما?ٍ كانت بطرا?ٍ بعد شبع? واليوم نحن نعيش نكرانا?ٍ للوطن وبطرا?ٍ مع جوع? ولم يحدث فى التاريخ أن يقترن البطر بالجوع إلا فى زماننا ووطننا الآن.
ثم إن أجدادنا عندما م?ْز?قوا كل ممزق? كانت الأرض من حولهم مفتوحة لهم بكل اتجاهاتها ليسيروا فيها? فمنهم من اتجه نحو بلاد الشام وهم الغساسنة? ومنهم من اتجه نحو العراق وهم المناذرة? وهناك من اتجه نحو يثرب وهم الأوس والخزرج? ومنهم من اتجه نحو عمان وهم الأزديون? ومنهم من ركب البحر إلى شرق أفريقيا? أما اليوم فنحن نخر?ب بلادنا? وكل ما حولنا من البلدان مغلقة أمامنا وليس لنا مكان بديل عن بلادنا إلا هي? بل إن مغتربينا ي?ْطردون من البلدان التى يعيشون فيها ليعودوا إلينا? وتتفاقم الأزمة أكثر.. ونحن بلا شعور أو إحساس.
إن المتتب?ع لمؤتمر الحوار الوطني وما يجرى فيه يجد جماعات وأقواما?ٍ لا هم?ِ? لهم إلا أن يضربوا أو ينسحبوا أو يصرخوا ويعك?روا الأجواء? ولم يتقد?موا خطوة واحدة نحو البناء والإصلاح أو إبداء حسن النوايا? وأصبحت المكو?نات التى يتشك?ل منها المؤتمر كابوسا?ٍ وعاملا?ٍ معطلا?ٍ على الوطن ومستقبله وأمنه? ولسان حال كل طرف يقول: (ربنا باعد بين أسفارنا)!!.
إن هذا الوضع الخطير الذي نعيشه يتطل?ب من الرئيس هادي والرجال المخلصين في هذا الوطن أن يتحم?لوا مسؤوليتهم ولا يعولوا كثيرا?ٍ على من لا يشعرون بمسؤوليتهم الوطنية.
وليعلم الأخ الرئيس أن قدره قد وضعه فى موضع يجب أن يكون فيه بأمة وشعب بكامله? وسيجد معه غالبية أبناء الشعب اليمني بملايينه الهادرة الذين يعانون الويلات ويتجر?عون مزايدات المزايدين وهم صابرون محتسبون مؤمنون? سيجدهم جميعا?ٍ معه وحوله يؤيدونه ويناصرونه? أما إذا استمررنا على هذا الحال? فأخشى أن يتحو?ل الحوار إلى «خوار» إذا لم نفر?ق بين العقول والعجول.. ورحم الله أسلافنا فقد كانوا أخف منا كفرا?ٍ وأقل بطرا?ٍ مما نحن عليه.
ورغم كل ما ذكرت يبقى الأمل في نفوسنا هو الغالب? وبالأمل سنشحذ العزائم والهمم? وسنمضي قدما?ٍ ـ بإذن الله ـ وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

*عضو مجلس النواب اليمني

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com