كتابات

التيار الديني القبلي وإعادة إنتاج الذات بالثورة.. ارحلوا ان كنتم صادقين

تمكن التيار الديني القبلي الذي تجسد عبر تطوره التاريخي في دويلات التاريخ اليمني الإسلامي الوسيط من فرض نفسه على الدولة والمجتمع ومازال هو القوة الأكثر فاعلية حتى اللحظة وكان ابرز تجلياته تاريخيا في دولة الأئمة الزيود فقد تمكنت النخبة الهاشمية من الحكم عبر التمايز الديني المذهبي وتعميم عقائدها السياسية على مجتمع القبيلة وحصرت المشروعية السياسية والدينية عن المجتمع (القبيلة) وجعلت من القبيلة جسد عسكري وحولتها إلى قوة مقاتلة بنزوع عقدي.

مع الجمهورية استمرت القبيلة كلاعب أساسي ومع الوقت تمكنت من إعادة صياغة دورها بالخطاب الديني ووجدت في حركة الإخوان المسلمين ملاذ لإنتاج مشروعيتها? ولأن قبيلة حاشد وبكيل وهي القبائل الأكثر إسهاما في الصراع على السلطة قبائل براغماتية منتجة للعنف في سعيها من أجل الغنائم فقد تحركت خارج أطار تحالفها السابق وحاولت ان تحتل الجمهورية بكل الطرق المتاحة لتبرير سيطرتها? فمثلا تمكنت حاشد من توظيف قوة الحركة لمغالبة القبائل الأخرى بالدين والجمهورية? ولم تحسم المعركة حتى اللحظة رغم ان حاشد تبدو انها تمتلك قدرة على إدارة الصراع بذكاء ودهاء? لكن الأمر مازال غامضا ومازالت القبائل الأكثر تأثيرا تمارس إعادة صياغة نفسها باستمرار من خلال خطابها الديني وهي في طور التماهي معه وأن بصورة تبدو مازالت في مراحلها الأولية.

ولتتضح الفكرة في تطورها الراهن لم تكن الانتفاضة المتمردة لقبيلة خولان بن عامر وجزء من قبائل بكيل والتي تجسدت في بروز الفقيه الهاشمي إلا محاولة لإنتاج التاريخ وإعادة صياغة دور القبيلة بالالتحام بالفقيه الهاشمي الذي وجد في تمدد الأخوان المسلمين والسلفية التقليدية تحديا لدوره بل ومحاولة لإقصائه بشكل نهائي من المشهد? وهنا أصبحت القبيلة من خلال وعيها القبلي تعيد صياغة دورها من داخل المذهب لمواجهة مذهب آخر يستبطن وعي القبيلة? وكل طرف يخترق مجال حركة الآخر بتحالفات دينية وقبلية وباستخدام المال والقوة والعلاقات المختلفة.

وبمقارنة بسيطة لواقع التحولات ومخاطرها في ظل اختراق التيارات الدينية للقبيلة سنجد أن هذا الاختراق الذي حاول ان يخنق المذهب الزيدي قد بعث نقيضه المذهبي بطريقة تعيد أنتاج التاريخ لدى الطرفين وبخطاب متشابه وآليات انتهازية متقاربة? وهذا النضال الذي يحاول ان يمتزج بالقبيلة ويجعلها أداة لتحقيق الأهداف قد بعث القبيلة لتعبر عن ذاتها من خلال الديني وهذا يقود اليمن إلى صراع مذهبي ربما ينتج من عمقه صراع مذهبي يشطر المجتمع فالوعي القبلي عندما يمتزج بوعي ديني مذهبي تلتحم عصبية القبيلة بالمذهب ويصبح الصراع في محصلته النهائية دموي.

ومن يتابع تاريخ التيار في العهد الجمهوري سيجد أن بناء التحالفات المعقدة للتحالف القبلي الديني في عهد صالح أخذت مسارات غامضة ومشتتة إلا ان المتفحص سيجد أن شيخ القبيلة كان قلب التيار وهو مسنود بتنظيم سياسي وموظفي دولة وشكلت المؤسسة العسكرية حالة متفردة لكنها كانت قوة مساندة للتيار وحدث التحول مع قدوم جيل جديد من ابناء النخبة العسكرية المهيمنة وهذا أحدث تطور أسس لفكرة التناقضات الجذرية.

مع تعاظم القوة لدى اطرافه تطورت بنية التيار وبدأت تتحكم فيه مصادر القوة المالية والسياسية والعسكرية بمعناها الرسمي وغير الرسمي ولم يحدث أي تحول حقيقي لصالح القيم الجديدة بل ظلت تلك المصادر مرتبطة بوعي ديني تقليدي وأسلاموي ممتزج بوعي القبيلة التاريخي مندمج بوعي سياسوي انتهازي بفعل الصراع على القوة.

التيار الديني القبلي الذي انقسم على نفسه مؤخرا كان يمثل قلب نظام صالح وروحه والمتحكم بمصادر القوة تمكن خلال تجربته في العهد الجمهوري من انتاج خطاب سياسوي ديني ذا نكهة عصرية وكان يتماهى الخطاب مع التحولات الفكرية الجديدة التي تحدثها التحولات ويتبنى خطابها ويعيد صياغة صورته من خلال تكرار المقولات الجديدة والدعوة إلى تطبيقها? دون ان يحدث تحول في وعيه فقد كان يتعامل مع القيم والمبادئ الجديدة بوعي عشائري ميكافيلي? وحتى يتمكن من القبض كليا على الخطاب وتحويله إلى قوة مساندة لهيمنته عمل التيار بطريقتين الأولى: كان يعيد صياغة تحالفاته مع قوى مقتنعة بقيم ومبادئ ومقولات الخطاب ثم يجعلها في الوجهة بدور ثانوي والطريقة الثانية: كان التيار يمارس هجوم على القوى الجديدة الأكثر اقتناعا بالتجديد وتوريطها في صراعات تألب عليها المجتمع وتدخلها في صراعات عبثية تنسيها أهدافها ومشاريعها? وكان للذراع الديني دور محوري في تشويه صورتها وإخافة من يعملون مع التيار ان تعاطفوا مع القوى الجديدة. وفي اللحظة الحاسمة يعيد التيار ترتيب أوراقه مهما كانت تناقضات المصالح بين مرتكزاته ويمارسوا تعبئة شاملة ضد الخصوم من القوى الحديثة ليتم لاحقا تحويل عسكري الدولة والعسكري البراني للقبيلة والميليشيات الدينية إلى قوة ضاربة لحسم معركته وتصفية القوى التي تشكل تحدي فعلي لسيطرته.. ومع الصراع الحالي مازال يمارس خداعة بطريقة أكثر خبثا ودهاء!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com