كتابات

الشرعية تترنح

أحاول أن أعثر على جواب يحل لغز عجز الرئيس صالح عن فهم وإدراك حدود ووظيفة رجال الدين وعلماء الفزعة .
أعرف أن المسألة أكثر تعقيدا?ٍ مما تبدو عليه ? لكن عليه أن يتصنع الهزيمة
ولو كلفه ذلك كل شيء ? ليكسب نصرا?ٍ أخلاقيا?ٍ وسياسيا مبينا?ٍ في آخر أيامه
في السلطة ? بدلا من تكريس سلطة سماسرة الدين ? أو أن تأتي اللحظة الحرجة التي يكشف فيها عن هشاشة الحدود القصوى لشرعيته الدستورية ? ويلجأ لأسلحة ليس لها نكهة المحاربين? ولا الساسة ?أسلحة تشيع جوا?ٍ من الالتباس ? وترسم دوائر في الفراغ ? إلا درجة جعلتني أهم بالقول ليته لم يعد من ضيافة الملك وليتها كانت ضيافة مفتوحه .
يجد ربي تسجيل ملاحظة مهمة : لست هنا بصدد الدفاع عن الرئيس أو التهكم عليه في نفس الوقت ? ذلك لا يعنيني مطلقا- غير أن نهاية تليق برجل استطاع أن يحتفظ بالسلطة ثلاثة عقود تقريبا ? وفي النهاية لم يستطع أن يحافظ على نظارة شعره الأبيض – يظل حقا إنسانيا على الأقل .
كما لا أريد بهذه الملاحظة تسجيل موقف ثوري متقدم ? بحثا عن وسام ثوري من النوع المتطرف? ولست هنا أتقمص شخصية ثائر أصولي يرتدي ربطة عنق أنيقة كجمال أنعم مثلا .
تصرفات الرئيس صالح نفسه ? تنم عن أن الرجل قد أخذ على عاتقه إستراتيجية خلق المزيد من المناوئين وبارع في ذلك فقط .الظاهر أنه مصمم وبإصرار عجيب على أن لا يترك فرصة لشخص مثلي كان قد بدأ مؤخرا يفكر بالتعاطف معه ? ليس حبا فيه ? بقدر ما هو نكاية بمتعهد ملصقات يلط بثورة مدنية ?ويسمم أهدافها بأطروحات هي تجسيد فعلي لنمط تفكير متدين دءوب ? تشغل أذكار الصباح والمساء ?ومقولات حسن البناء الحيز الأكبر من مكتبته. إقحام الدين في صراعات سياسية بحتة? محض استخفاف لا يصلح مادة مقنعة لعقيدة قتالية ? ولا برنامج عمل سياسي ولا عنصر مشوق في خطاب إعلامي ودعائي ذكي وجاد ?ويعكس بالضرورة ? هشاشة الدولة ممثلة بسلطة طائشة عمياء منقوصة الشرعية.

الراجح أن صالح يجلس الآن عاقد الذراعين بانتظار التأكد من مدى دقة
الرمية ? صحيح الفتوى ورقة متآكلة ?غير أنها وبالنظر للثقافة الجمعية ?
تبدو ناجعة نوعا ما? ? لكنها على الأقل? قد بارحة ميدان الاستخدام السيئ?
هذا إن لم تكن قد احترقت ودلفت إلى قائمة الأوراق المعطوبة.
يخطر لي أن بيان جمعية علماء اليمن من حيث الشكل يصب في مصلحة حكم الرئيس صالح? قبلها كانت الجمعية فريسة الحيرة? كانت كما لو إنها توزع تأييدها على طرفي النزاع بدرجات متفاوتة? مع بعض الميول الواضح للرئيس صالح? لا سيما بعد حادثة دار الرئاسة ?ولكن الأمر لبرهة يدعو للإحباط . لن يحدث فارقا?ٍ مهما?ٍ لصالح الرجل? والمؤكد أنه الآن يشعر بخيبة أمل مريرة..
دعوات التسريع بنقل السلطة لا تكف عن التحليق? والجيش المساند للثورة يغذ خطوط التماس في محاولة لإحراز تقدم في محوري أرحب وكنتاكي.

بكلمات أخرى ? لم تكن ورقة الفتوى يوما?ٍ عامل حسم نهائي أبدا?ٍ. صحيح
عندما تتعذر السياسة يلجأ الخصوم (هنا) إلى اللعب بورقة الدين ? و في
نهاية المطاف لا تبدو أكثر من وسيلة ملحة واستثنائية لإعادة الأشياء إلى
مربع السياسة بالذات?غير أنها أحيانا قد تنحوا بالأمور منحا أخر? ويترتب
عليها تبعات فادحة .

في كل مرة أعيد التفكير في كيف أن أعتا الصراعات التي تعصف باليمن الآن? هي تكرار? أو امتداد? هزلي تافه وبغيض لمآسي والتباسات وحروب الماضي .
إذا?ٍ? وضبوا أمتعتكم? فالزج بالفتاوى في الصراع على السلطة ينقلنا في
قطار جماعي إلى مناخ حرب 94م.

الآن تنتفض الفتاوى وتتململ? حتى ليخال المرء أننا بصدد إعادة تمثيل
متقنة لمقاطع من التاريخ الذي لم تجف أحباره بعد . والمؤكد أن الاستنفار
الديني لن يفعل أكثر من إذكاء العنف. فلقد أخفقت “فتوى الاجتياح” التي
وضعت اللمسات الأخيرة ? لسيناريو 94 قبل ذلك .

بالتأكيد توقفت الحرب عام ذاك بانتصار الشطر الذي كان مسنود برجال دين على درجة عالية من الولع للجهاد ? وبطريقة ذكية استطاعوا حينها? خلق نوع من الألفة بين فكرة الوحدة أو الموت? جابو المعسكرات و حثو الجنود على ضرورة اجتياح عدن وتطهيرها من الكفر والفسق وبقايا اليسار. توقفت الحرب? لكنها لم تفعل إلا لتتجدد بعد بضع سنين بطريقة سافرة ومدوية وفجة. كان القتال وقتها يدور في مساحة جغرافية محدودة من الجنوب.الآن تجددت واتسع نطاقها على هذا النحو المفرط. إذ لم ينس الجنوبيون دور رجال الدين في لعب دور التعبئة القتالية.

بعدها صعد الإسلاميون إلى واجهة المشهد السياسي على كاهل التنافس الذي احتدم مع المد الماركسي القادم من الجنوب بعد حرب 1994. ووجد الإصلاح نفسه القوة الايديولجية الوحيدة النابضة في البلد بأسره. كان هذا يعني أن وظيفة الإصلاح لم تعد ذات طابع عقائدي تجريدي? لقد عم البلاد نهاية التسعينيات فيض من التدين? واكتظت المساجد بالمصلين.
أخفقوا في تقديم نموذج جذاب ? وبدون فرض قواعد أخلاقية عقائدية مصاحبة لهذا الخطاب? وصياغة معايير حزبية جديدة ترتكز ع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com