كتابات

السعودية واليمن ..عندما ينقلب السحر على الساحر

علاقات المملكة العربية السعودية بالجمهورية اليمنية واحدة من أغرب العلاقات الدولية في التاريخ العربي كله….فرغم عمق وجدلية العلاقات الممتدة منذ نشأة الدولتين مطلع القرن العشرين إلا أن السعودية باعتبارها الفاعل في العلاقات لم تستطع حتى الآن وضع تصور صحيح لعلاقاتها مع جارتها اليمن … ومع التأكيد الرسمي بأن أمن اليمن واستقراره هو من أمن واستقرار السعودية وان هذه الأخيرة يهمها ويعنيها أن يبقى اليمن سعيدا?ٍ,وان يستمر يمنا?ٍ واحدا?ٍ تكون فيه الدولة مكتفية وقادرة على النمو, ومتمكنة من حماية ساعات اليوم اليمني السعيد من أوقات العبث والتخريب والتسيب في أرباك الاقتصاد والحياة المستقرة, إلا أنها ـ السعودية ـ لم ترق بالعلاقات الى مستوى جدلية التعاطي مع العصر وتكتلاته الاقتصادية والسياسية الإقليمية, بل هي لا تلبث ان تدعم بل وتقف الى جانب قوى معينة ومعروفة من شأنها تقليص سلطة الدولة لصالح اللادولة , والاستقرار لصالح الفوضى .وليس غريبا?ٍ أن تؤدي سياسة كهذه الى كثير من الحمق .. كثير من الكوارث على الجانبين , وقد تجسد ذلك في مواجهاتها مع جماعة الحوثي في محافظة صعدة , وفي المشاكل المستمرة مع تنظيم القاعدة التي تضع عينها _استراتيجيا?ٍ_على الرياض…….

-لقد انقلب السحر على الساحر,هذا ما يبدو واضحا?ٍ إذا ما نظرنا الى السعودية ومصير أوراقها في اليمن ..أوليست هي من دعمت الأماميين وأبناءهم ضد الجمهوريين وها هم اليوم الأماميون وأبناؤهم يشكلون تهديدا?ٍ حقيقيا?ٍ عليها , ويتعاظم الخطر إذا ما وضعنا في الاعتبار الترابط الديني المرجعي والسياسي بينهم وبين شيعة جنوب المملكة ,وهذا هو الحال مع تنظيم القاعدة …أوليست السعودية هي من دعمت بسخاء شخصيات وتنظيمات يمنية معروفة لفتح مكاتب لتجنيد الشباب ونقلهم للقتال مع بن لادن في أفغانستان ,وحين عادوا جعلت منهم السعودية إحدى أوراقها لصد ما أسمته المد الشيوعي القادم مما كان يعرف بالشطر الجنوبي اليمني.

العقل السياسي السعودي خارجيا?ٍ يبدو ضعيف النظر أو هكذا يراه المراقبون ذلك لأنه لا يفكر ابعد من الحدث الواحد وردود فعله ,ويناصر الموقف بدون تمييز بين ما يخدم المصلحة السعودية وما لا يخدمها , بل وتظهر في مواطن عدة وكأن بناء تحالفات فردية على حساب التحالفات الجمعية المدروسة , ودعم الأشخاص على حساب الدولة صارت مصلحة سعودية عليا لا تقدم عليها مصلحة …وهذا معناه أو أنه تجلي للنقص في التنظير للسياسات الخارجية في المملكة ,حيث لا توجد حتى الآن مؤسسة بحثية ولا مركز دراسات متخصص يرفد صانع القرار بالرؤية والوضوح ويستقرى? المستقبل , حتى في وزارة الخارجية السعودية لا يوجد مركز دراسات , في حين تعود المسئولون في المملكة على اتخاذ القرارات حسب مجريات الأحداث ..

وهذا ما يجعل المراقب يعتقد بأن سياسة الخارجية السعودية تميل الى التكتيك ورد الفعل دون المبادرة ووضوح الرؤية لمصالح الدولة المستقبلية. .

ومما زاد الطين بلة هو تعدد مراكز صنع القرار في السعودية الذي لاشك أنه أربك إستراتيجيتها ? الأمر الذي جعلها غير قادرة على تبني إستراتيجية تتواءم مع التحولات مكتفية باعتماد سياسة العطاء أو الشراء أو كما يقال ( سياسة الريال) ..

لقد ارتكزت علاقة السعودية باليمن في معظمها على الجانب الشخصي , وعلى محاور محددة داخل النظام وخارجه , الأمر الذي جعلها عاجزة عن توجيه طاقتها المالية وعبر ـ اللجنة الخاصة ــ الى حيث يجب أن تكون في سياق الأهمية القصوى الذي يجب أن توليه لفهم واقعها فهما?ٍ حقيقيا?ٍ يستوعب مختلف المكونات والمشتركات ? لأن فهم الواقع واستيعابه هو الأحتياج الرئيسي لاستبصار الجوانب والأبعاد والمعاني التي تبتغي السعودية تحقيقها ..وهذا يظهر في عجزها حتى اللحظة على تبني تحالفات متشعبة ….

بل وأصبحت القرارات والمواقف أكثر ارتجالا?ٍ وأكثر تناقضا?ٍ وحدة , يعكس ذلك الى جانب غياب المؤسسات البحثية , تعدد مراكز صنع القرار ( تعدد الرؤوس ) وانشقاق العائلة وتناقض مصالح الأطراف الفاعلين فيها …فالدراسات البحثية تضع عملية صنع القرار في السعودية على هيئة شكل هندسي خماسي الأضلاع متفاوتة الوزن منذ استكمال عملية الفتح , هي الملك , ومجلس العائلة , وهيئة كبار العلماء , والحرس الوطني , والوجهاء , والتكنوقراط , مع تأكيد الأهمية الخاصة بالملك . ومهما اختلف المراقبون والمحللون للوضع السياسي في اليمن والعلاقات السعودية فأنهم سيتفقون على أمرين : الأول , إن تعدد أو تضارب مراكز صنع القرار في السعودية قد ساهم الى حد كبير في هذا التخبط الحاصل في علاقة البلدين والنتائج القاسية على البلدين وبما لا يخدم امن واستقرار البلدين , الأمر الثاني : هو أن المملكة بقدر انغماسها في الشأن اليمني , لا توجد لديها رؤية إستراتيجية بقدر حجم المخاطر المترتبة على فقدان النظام وتمزق اليمن على الرغم من نصائح ودراسات أمريكية تحذر المملكة من فقدان اليمن للاستقرار .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com