كتابات

في عدن اليوم.. المغازلة بقوة السلاح ..!

بقلم/ طارق مصطفى سلام. :

(عندما ينقلب حال عدن إلى الاسواء ويولى أمرها المنافقين وشذاذ الآفاق المجرمين )
هو زميل لي من ابناء عدن يعمل ويقيم في العاصمة الشامخة صنعاء إلا انهُ متعصب كثيرا لكل ما يتعلق بعدن المدينة والحضارة والانسان ..
ذهب لقضاء اجازة العيد في عدن بعد أن أنقطع عنها في العامين الاخريين وهو ينتظر الكثير من عدن مسقط الرأس الحميم والملاذ الأمن والحضن الدافىء كما كان يأمل ,,
التقيته في مقيل اليوم بعد ان عاد من عدن كان في حالة غريبة يرثى لها من الشرود وكثرة السرحان, ويتحاشى النظر باتجاهي بشكل ملحوظ, استغربت تصرفه هذا الذي لم أتعوده منه مطلقا, فهو كثير الثرثرة والمزاح معي بل ويتعمد الخوض في المماحكات السياسية في وجودي ..فماذا طرأ عليه اليوم ليغيره بهذا الشكل الغريب؟
وقلت محدثا نفسي :لابد لي من معرفة سر هذا التغيير والانقلاب الكبير في طباع وسجايا صاحبي الظريف ..! وقبيل صلاة المغرب استغليت مغادرة احدهم ممن كان يقيل الى جانبه في الديوان فانتقلت إلى جانبه متعجلا وباشرته بالسؤال مازحا : اليوم انت شديد الادب والتواضع اخي الكريم فلم أسمع لكم صوتا أو تعليقا في مقيل اليوم ؟
قاطعني منفعلا : انت كنت على حق فعدن لم تعد هي عدن التي نعرفها بناسها وحضارتها ومعالمها تغير كل شيئا فيها, ولم اجد فيها شيئا واحدا جميلا مما كنت أتمناه لها, بل وجدت كل شيئا قبيح كنت أسمعه عنها وانا في صنعاء وانكره بل أعتبره مجرد شائعات خبيثة مغرضة يطلقها الطرف الثاني خصمنا اللدود ..
فوجئت هناك بغياب الكهرباء بعد ان سمعنا كثيرا بوصول مولدات الامارات الضخمة, فالكهرباء في عدن تحضر ساعة واحدة لتغيب 4ساعات ! والبترول يباع في اربع محطات فقط وبسعر3800ريال للدبة الواحدة, واسطوانة الغاز الرسمي التي تباع في صنعاء ب1250ريال نجد سعرها في عدن 2500ريال, بل أنني وجدت في عدن المحررة جميع الاسعار للخدمات والسلع والمواد الغذائية والمشتقات النفطية كافة هي أغلى وأعلى من الاسعار في صنعاء المحاصرة ..
وكل ذلك لم يزعجني ويؤلمني بقدر ما ألمني شيئا أخر مختلف تماما وجدته في عدن اليوم وصدمني كثيرا وأطرق شاردا .. إلا أنني قطعت عليه صمت وسألته متلهفا : ما هو هذا الشيء الذي ازعجتك كثيرا في عدن ..؟
فانفجر صارخا : لم يعد للإنسان كرامة في عدن, بل لم يعد للعدني ذاته حرية وخصوصية في عدن .. عليك اليوم في عدن ان تصمت خوفا لتحافظ على سلامتك .. بل عليك اليوم في عدن أن تتنازل عن أدميتك وغيرتك الانسانية وكرامتك الشخصية وحقوقك المدنية أو تموت مقتولا برصاصة غدر من قبل أحدى الجماعات المسلحة العابثة بأمن عدن وأمن أهلها المسالمين الكرام وما أكثرها اليوم في عدن..
عدن اليوم لم تعد تلك المدينة الحرة الآبية التي نعرفها أنا وأنت بناسها المتسامحين المسالمين, بل باتت عدن اليوم بشبابها وشيوخها ونسائها ورجالها ونخبها وناسها كافة, مغلوبة على أمرها مكسورة الجناح والعزيمة وخائبة الأمل والرجاء ومسلمة شأنها وجل أمرها لغرباء عنها وعن معالمها الطيبة هم من أمراء الحروب ومتنفذي الجماعات المسلحة المتطرفة يسقونهم الى النفق المظلم الذي نهاية مبشرة لهُ ولا يوجد فيه غير الضياع والهلاك ومزيد من سفك الدماء البريئة ..!!
ما يؤلمني يا رفيقي العزيز أنني ذهبت إلى موطني عدن أبحث عن مستقر دائم وملاذ أمن كنت أعتقد أنني من الطبيعي أن أجده هناك حيث مسقط الرأس وبين الأحبة والأتراب وبعد وقت عصيب وقلق طويل ظننت أنني عانيته في صنعاء طوال العامين الماضيين من الحرب الملعونة ..فكانت صدمتي كبيرة بما وجدته ولقيته في عدن من أمور غريبة ومظاهر مؤلمة ومشاهد متطرفة وأمن منفلت وبيئة مختلفة متوحشة تحتقر أدمية الانسان ..!
يا أخي القدير ما ذهبت أبحث عنه في عدن أملا كان موجود لدي في صنعاء فعلا , بل ومتوفر في صنعاء المدينة والناس على الدوام, قبل العدوان الغاشم وبعد الحصار الظالم وأثناء القصف المجرم.. نعم, يا رفيق العزيز, انا لم أشعر مطلقا بالغربة والوحشة في صنعاء التي عشت فيها طويلا أمنا مستقرا, كما لمستها وعانيت منها في عدن مؤخرا, عدن اليوم المغلوبة على أمرها, عدن خائبة الأمل والرجاء ثم دنى مني هامسا : يا رفيق العزيز أقول لك وحدك عن سر انكساري في عدن ..
في أول يوم لوصولي عدن خرجت مساءً مع أبنتي الوحيدة للتنزه في احدى حدائقها عندما صادفني شرذمة من الشباب المسلحين وفوجئت بهم يقوموا بمعاكسة أبنتي وهي برفقتي غضبت كثيرا ورفعت صوتي محتدا في وجوههم .. لم يهتموا لصراخي بل استمروا في فعلهم المشين دون أدنى اكتراث بتلك الجمهرة من الناس التي بدأت تتجمع على صراخي بل وامام الجميع سخروا مني قائلين : تقرص السلامة يا شيبة ..!
حاولت تأديبهم والثأر لكرامتي ولكن بعض الحضور من شباب الحي منعني من ذلك وقالوا لي : هؤلاء جماعة (…) ولهم سلطة مطلقة في الحي ولن يترددوا في قتلك أمامنا وبدم بارد وبإطلاق وابل من الأعيرة النارية وامام هذا الحشد الكبير من الجمهور .. وهمسوا لي ناصحين خشية من الاوباش المسلحين: أقصر الشر يا عاقل وأنشد سلامتك وسلامة أبنتك وأسرعوا بمغادرة المكان قبل فوات الاوان فلن ينفعك هنا أحدا من المسؤولين في عدن .. فهم السلطة والدولة في حينا العتيق ..!
وبعد ان لاحظت مدى سلبية الحضور من العامة ممن تواجدوا حولي في الحديقة العامة وحجم ذلك الشر المتطاير في عيون المتربصين المسلحين أثرت مغادرة المكان وأنا في شدة الحيرة والألم لما آلت اليه أحوال المعشوقة عدن وناسها الكرام, وحينها فقط قررت سرعة الرحيل عن عدن دون عودة اليها مطلقا إلا بعد أن يصلح الله أمرها فتستعيد شأنها القديم الجميل ذاك وتنقشع عنها هذه الغمة المرعبة.. وعدت ادراجي وأنا على هذه الحال المنكسرة إلى الحبيبة صنعاء الملاذ الأمن فعلا للجميع وعن حق وحقيقة وخاصة لنا نحن القادمين من عدن والمحافظات الجنوبية كافة..
نعم يا رفيقي العزيز, في عدن اليوم, المعاكسة هي بالإكراه والمغازلة وهتك الاعرض يتم بقوة السلاح ولا من حسيب أو رقيب أو رادع من دين أو ضمير ..! فلا نامت أعين الجبناء والمنافقين من الحكام الجدد لعدن ..
عدن التي باتت اليوم بسبب من سطوتهم وطغيانهم وعبثهم تلك الاسيرة الخاضعة المغلوبة على أمرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com