كتابات

نهاية الرئاسات مدى الحياة

قبيل العاصفة الأخيرة? روى أحد المسؤولين الخليجيين أنهم تدارسوا مرة مقترح ضم اليمن إلى مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي الست? وقرروا إرسال وفد للرئيس اليمني بحثا عن إجابات أولية? وكان من بينها سؤال خجول حول صفة الحكم. فكل الدول هنا نظمها ملكية? أما اليمن فنظامه جمهوري? لكنه ليس جمهوريا حسب التوصيف الدستوري? رئيسه يحكم أكثر من ملك. الرئيس علي عبد الله صالح عم?ر في الحكم أطول من كل نظرائه ملوك وأمراء الخليج.

وعندما ثارت المظاهرات الضخمة ضده أثبت الرئيس اليمني أنه أذكى الرؤساء المحاصرين? حيث سارع وأرضى المحتجين. أعلن على الملأ تخليه عن فكرة البقاء مدى الحياة في الرئاسة? وتعهد لشعبه بأنه لن يسمح لابنه بأن يخلفه في الحكم. أطفأ بذلك الحريق بكوب ماء? ولم ينتظر حتى تبلغ النيران بيته. وبذلك فإن الرئيس صالح سيكمل رئاسته حتى آخر يوم? وسيجد من الوقت ما يكفي لترتيب شؤون الحكم من بعده بحيث يدعم خلفه? وهذا في صالح مستقبل الرئيس والرئاسة.

ثورتا الشارع في تونس ومصر فعلا تعبران عن حالة ملل واستنكار من رئاسات دائمة? مهما كانت منتجة أو خاملة? قاسية أو ناعمة.

وكما يعلم المواطنون العرب? الرئيس صالح أو مبارك أو بن علي ليسوا وحيدين في ديمومة الرئاسات? بل الجميع مثلهم? باستثناء رئيسي لبنان والعراق. ولأنه لا يولد في أي مكان في العالم حكام يتنازلون بإرادتهم تكتب التشريعات التي تحمي الناس من الحكام? وتحمي أيضا الحكم من القفز عليه من الخارج? وهنا أهمية الشرعية. فلا يمكن أن تكون هناك شرعية لحاكم هو نفسه يخالف الدستور الذي أقسم عليه. فالرئيس صالح يحكم منذ عام 78? وفي عام 2003 أدخل إصلاحات تحد من الديمومة? لكنه قال إنها رئاسته الأولى? متجاهلا أنه يحكم منذ ربع قرن? حتى يجدد ويمدد لنفسه? ثم تعهد بأنه لن يجدد في 2006? لكنه بعد ثلاثة أيام غير رأيه وقرر الاستمرار.

صالح ليس الوحيد? فمعظم الرؤساء العرب حكموا أكثر من معظم الملوك العرب? مثل القذافي في ليبيا لأربعين عاما? وبن علي تونس لثلاثة وعشرين عاما? وصالح في اليمن ثلاثين عاما? ومبارك مصر ثلاثين عاما? والبشير في السودان ربع قرن? ومن قبلهم صدام العراق ربع قرن? وحافظ الأسد في سورية لثلاثين عاما. نظموا انتخابات ولم يخسر أحد منهم قط فيها! استهلكوا كل مبررات البقاء من وعود بمحاربة إسرائيل? وانتخابات نزيهة? وإصلاحات? وأخيرا صاروا لا يبالون كثيرا برأي شعوبهم? ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.

الشرعية المكتوبة وحدها لا تكفي? فالممارسة تفوقها قيمة? لهذا ابتكرت أنماط من الحكم هدفها ضمان استمرار النظام? والاستقرار? ومنح الطرفين? الحاكم والمحكومين? الأمان ضمن أطر دستورية تحميه وتحميهم. وكما رأينا في تونس? فقد همش الرئيس الأطر الشرعية لحكمه حتى أصبح عاريا بلا مشاركة أو تمثيل شعبي حقيقي? واضطر يوما بعد يوم إلى الاتكال أكثر على أمنه وحرسه حتى فقد كل شيء. الوضوح في قواعد الحكم والتزاماته? واحترام الأنظمة? والاحتكام إليها عند الخلاف? هي الضامن أمام هب?ات الناس وثوراتهم.

الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com