اراء وتحليلات

قراءة في رواية النطفة السوداء للمخرج والمفكر اسماعيل عبدالحافظ

عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة صدرت مؤخرا?ٍ الرواية الموسومة بـ(النطفة السوداء) للكاتب والزميل المعروف إسماعيل عبد الحافظ, وقد جائت هذه الرواية بمئة واربعة واربعين صفحة من القطع المتوسط ولعل اهم مايميز هذه الرواية هو استيفائها للمسات فنية وسردية ربما لم تتوفر للكثيرين من كتاب الرواية ذلك لانها مبدعها جاء بها ليس برؤية المخرج والكاتب التلفزيوني المحترف فقط, باعتبار هذه وضيفته منذ عشرين عاما?ٍ, بل غلبت عليه أيضا?ٍ رؤية المفكر الاسلامي التي تسيطر عليه ربما سيطرة كاملة, ويتبين ذلك في مضامين الرواية ابتداء?ٍ بعنوانها الذي اشتقه من الحديث المتداول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(اختاروا لنطفكم فان العرق دساس) ويبدو ان هذا الحديث وغيره هي من اهم المضامين الفكرية التي تدور فكرة الرواية في إطارها اجتماعيا?ٍ وسياسيا?ٍ وثقافيا?ٍ وتاريخيا?ٍ. نفحات الفكر المتأدب في هذه الرواية تتمثل في فلسفة العنوان كما اشرنا حيث كان قد وضع الكاتب لها عنوان\” بلا ناموس\” الا انه عدل عنه ليقع إختياره على الأسم الأخير \”النطفة السواداء \” . ولعله كان موفقا?ٍ فـ \” بلا ناموس \” في العامية اليمنية تقال أو تطلق على الانسان الذي ليس لديه ثابت أو بالأصح لا يحترم نفسه بينما المفردة تعني في الغالب الأعم القانون .. أي قانون إجتماعي كان أو طبيعي .. فثوابت الأخلاق والقيم والأعراف عند العامة تعرف بالنواميس وقد درج البعض على القول فلان بلا ناموس أي أن هذا الفلان لا خلق له ولا عرف ولا قيمة أخلاقية . وقد أدرك الباحثون الإجتماعيون أهمية المحافظة على النواميس الإجتماعية فحرصوا على أن يثبتوها كقوانين وكأعراف وكمنظومات أخلاقية وقيمية كي يحافظوا على التوازن الإجتماعي وعلى الإستقرار وكي يجنبوا البشرية مظاهر الفوضى والعبثية ويقيموا مجتمعات تنتفي منها الشرور أو تحد على الأقل وفي محيطنا الكوني راقب العلماء وذوي البصيرة النفاذة وكذا الفلكيون حركة الكون وتبينت لهم القدرة العجيبة التي تتحكم في شئونه عبر نواميس / قوانين تصل حد الإعجاز وهي ما يحفظ لهذا الكون العجيب اللامتناهي إنتظام حركته في إطار منظومات يطلق عليها النظام الشمسي … ونظام كوني ومجراتي وإلخ … لقد نفذ زميلنا إسماعيل عبد الحافظ الى واقع وشخوص روايته برؤية السينمائى البارع, وبرؤية المفكر المنهمك في الواقع العربي والاسلامي المأزوم بالكثير من العوائق والمشكلات الصعبة وحاول تفكيكها بأسلوبه الادبي السهل والمشوق الخال من التعقيدات أو المحذورات التي اعتادت تقديم ادب ممزق وموهوم بالادب , فهوحين يعرض في روايته لجانب مهم من حياة المهمشين أنما هو يفعل ذلك منطلقا?ٍ من الأحساس بالظلم الذي أحاق بهؤلاء فحرمهم من ممارسة حقهم الطبيعي في الحياة متعاطفا?ٍ ومتعاضدا?ٍ ومؤكدا?ٍ على مقولة عمر بن الخطاب .. متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا?ٍ \” ? وحديث الرسول صلعم \” الناس سواسية كأسنان المشط \” وهنا يتجلى عمق فكره وفلسفته التجديدية التي يدعو اليها في العديد من مؤلفاته الفكرية المتمثلة في \”الدعوة الى تحرير فكر العقيدة\” . ولعل الرواية بما ذهبت إليه وبما أتخذته من مسارات حوارية على لسان شخوص من ذوي العلاقة في الفئات المتضادة للونين تذهب في هذا الاتجاه \” الأبيض أو بالأصح الأسمر والأسود \” قد قدمت ما يمكن أن توضح الصورة ويضعها في إطارها الإجتماعي السائد وأومأت إلى التدابير والحلول التي يمكن أن تسهم في ردم الهوة وفي وضع قاعدة لسلوك قديم مقنع يقوم على نظرة وعلى رؤية مشتركة في إطار منظومة أخلاقية نواميسية تقوم على قاعدة دينية قوامها قول الرسول صلعم \” لا فرق بين أبيض واسود إلا بالتقوى \” . أحمد بكير- البطل الرئيس في الرواية – يمثل نموذجا?ٍ طحنه الأرث التاريخي لفئته من الجماعات السود التي وجدت نفسها أسيرة لوضع إجتماعي مهين لم يكن له ولأمثاله ناقة ولا جمل في صنعة ولا في خلق ظروفه ولا سامح الله أبرهة وحملته المشئومة . ومع ذلك وبرغم القيود غير المرئية التي يحس بها تقيد تصرفه وأفعاله فقد كان يجد في أحلامه بأن يصير يوما?ٍ رجلا?ٍ عليه قيمة يسافر كغيره إلى بلاد الله ويعود ليبرئ أبناء قريته والقرى المجاورة وهم يتنافسون من أجل تقديم الخدمات للعائد الذي جمع من متاع الدنيا الكثير وعوض الحرمان والعذاب الذي كان يلاقيه, على الرغم من ان خروجه الاول كان لمجرد الرغبة في نفس مالك السيارة التي اقلته بان يحله ادنى السيارة في حال عطلها وليس حبا به, فأوصله الكاتب الى بوتقة فكره وفلسفته التي يحاول من خلالها اسقاط كافة الاقنعة التي تتشدق في افكارها من مختلف المشارب, والاتجاهات التي تختلق الصراعات من اجل السلطة والاستحواذ عليها بدون اي منطلقات عقائدية حقيقية. هكذا صو?ر الروائي إسماعيل عبد الحافظ وأجاد تصوير كل الخلجات والإنفعالات والمشاعر والأحاسيس ? بما في ذلك رموز النظام السياسي الذين مازالوا حتى اللحظة على ذات الوتيرة من الوعي والتعامل على المستوى الا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com