كتابات

المقاصد العامة للإسلام .. رؤية تأصيلية تجديدية قرآنية

الحلقة الأولى
أزمة العقلية الإسلامية المعاصرة:

لابد من الإشارة ابتداء?ٍ إلى أن العقلية الإسلامية الحالية تعيش أزمة علمية منهجية ومعرفية حادة.
وتتمثل هذه الأزمة العلمية في أن العقلية الإسلامية مازالت تستجر التراث الفقهي التاريخي الماضوي بسلبياته وإيجابياته عقلية ضربها الجمود والتقليد عاجزة عن امتلاك أدوات الاجتهاد والتجديد بالفهم العميق لكليات الإسلام ومقاصد الشريعة وتنزيلها على تحديات العصر الراهن ومستجداته من خلال التفاعل مع ثلاثة محاور هي:
1) الوحي المقدس قرآنا?ٍ معصوما?ٍ وسنة معصومة بالقرآن.
2) التراث العلمي الفقهي التاريخي استرشادا?ٍ به لا توقفا?ٍ عنده.
3) رصيد الحكمة الموجود في الثقافة الإنسانية قاطبة (معارفا?ٍ وتجاربا?ٍ) (الحكمة ضالة المؤمن).
ولو حاولنا سبر أغوار الأزمة العلمية التي تعاني منها العقلية الإسلامية المعاصرة لوجدنا جوهر هذه الأزمة يتمثل في أن العقلية الإسلامية لم ترتقي بعد إلى المضمون المعرفي القرآني ذي المنهجية الكلية العلمية القائمة على (فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والحياة الإنسانية) لأنها ما زالت مؤطرة بالمضمون المعرفي الفقهي التاريخي (فقه آيات وأحاديث الأحكام) هذا الفقه القائم على النظرة الجزئية منهجا?ٍ ومعرفة وعلى نمط التلقي الذي يخاطب ملكة الحفظ لا ملكة الفهم وعلى الخلط بين قداسة النصوص وفهم العلماء غير المقدس لنصوص الوحي وعلى فقه المحكمة لا على فقه الدولة والحضارة.
في حين أن المضمون المعرفي القرآني كلي لا جزئي ويحتاج إلى عقلية تفهم وتحلل لا عقلية تتلقى وتحفظ? عقلية لا تقدس العلماء وإن كانت تحترمهم ولا تأخذ منهم تقليدا?ٍ وإنما استرشادا?ٍ? عقلية تقدس نصوص الوحي فقط وتفهم الوحي أولا?ٍ في نسقه الكلي الموضوعي ثم في نسقه التفصيلي الجزئي? عقلية تدرك أن جوهر الوحي (القرآن) هو فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والبشرية لا فقه آيات الأحكام? عقلية تحلل القرآن في نسقه الموضوعي أكثر مما تفسر القرآن  لغويا?ٍ بمنهجية  مجزأة تكاد تفصل كلمات الآية الواحدة عن سياقها الموضعي فضلا?ٍ عن السورة في سياقها الموضوعي? عقلية تبدأ بفهم أمهات المعاني القرآنية (المحكم) ثم تفهم تفصيلات القرآن (المتشابه) في ضوء أمهات المعاني (أصولها وكلياتها) (م?ن?ه?ْ آي?ِات?َ م??ْح?ك?ِم?ِات?َ ه?ْن??ِ أ?ْم??ْ ال?ك?ت?ِاب? و?ِأ?ْخ?ِر?ْ م?ْت?ِش?ِاب?ه?ِات?َ) (ك?ت?ِاب?َ أ?ْح?ك?م?ِت? آي?ِات?ْه?ْ ث?ْم??ِ ف?ْص??ل?ِت?) فدل سياق الآيتين على أن المحكم هو الأصل والكلي والمتشابه هو الفرع والتفصيل? عقلية تدرك أنه لا تصادم بين حقائق العقل وحقائق النقل وأن التدبر في كتاب الله المسطور لا يمكن أن يتناقض مع التفكر في كتاب الله المنظور (الكون).
ومفتاح الانتقال إلى هذا الوعي يبدأ بكلمات مختصرة بالتحول من فقه آيات وأحاديث الأحكام الإطار المعرفي التراثي التقليدي إلى فقه آيات الله في الآفاق والأنفس? فقه السنن والقوانين العامة الناظمة للحياة الكونية والإنسانية.
هذا المضمون المعرفي أشارت إليه العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى: {ف?ِأ?ِق?م? و?ِج?ه?ِك?ِ ل?لد??ين? ح?ِن?يفا?ٍ ف?ط?ر?ِة?ِ الل??ِه? ال??ِت?ي ف?ِط?ِر?ِ الن??ِاس?ِ ع?ِل?ِي?ه?ِا ل?ِا ت?ِب?د?يل?ِ ل?خ?ِل?ق? الل??ِه? ذ?ِل?ك?ِ الد??ين?ْ ال?ق?ِي??م?ْ و?ِل?ِك?ن??ِ أ?ِك?ث?ِر?ِ الن??ِاس? ل?ِا ي?ِع?ل?ِم?ْون?ِ } (الروم:30).
في هذه الآية العظيمة يأتينا التوجيه الرباني بأن نقيم وجوهنا للدين أي نلتزم بتعاليم الدين وقيمه وأحكامه ثم يأتي التعليل القرآني العلمي لبيان سبب المطالبة بالالتزام بالدين قيما?ٍ وأحكاما?ٍ بقوله تعالى{ ف?ط?ر?ِة?ِ الل??ِه? ال??ِت?ي ف?ِط?ِر?ِ الن??ِاس?ِ ع?ِل?ِي?ه?ِا ل?ِا ت?ِب?د?يل?ِ ل?خ?ِل?ق? الل??ِه? ذ?ِل?ك?ِ الد??ين?ْ ال?ق?ِي??م?ْ و?ِل?ِك?ن??ِ أ?ِك?ث?ِر?ِ الن??ِاس? ل?ِا ي?ِع?ل?ِم?ْون?ِ }الروم30
أي أن تعاليم الدين الهادية الآمرة هي موافقة لقوانين الفطرة والخلق وقوانين الفطرة هي سنن ثابتة لا تتبدل (لا تبديل لخلق الله) (ف?ِل?ِن ت?ِج?د?ِ ل?س?ْن??ِت? الل??ِه? ت?ِب?د?يلا?ٍ و?ِل?ِن ت?ِج?د?ِ ل?س?ْن??ِت? الل??ِه? ت?ِح?و?يلا?ٍ) فاطر 43.
وبهذا البيان القرآني البديع يتبين لنا أن دين الإسلام هو المنهج العلمي الناظم للحياة الإنسانية بما يوافق قوانين فطرتها وخلقها? ومن هنا كان المنهج الإسلامي هو المنهج الأقوم والأحسن الذي به تقوم حياة المجتمعات والدول والحضارات لأنه المنهج العلمي السنني? ولكن أكثر الناس لم يرتقوا بوعيهم إلى المنهجية العلمية الصحيحة ولذلك لا يعلمون بحقيقة الدين العلمية ( ذ?ِل?ك?ِ الد??ين?ْ ال?ق?ِي??م?ْ و?ِل?ِـك?

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com