اراء وتحليلات

شياطين الشاي

قديما لم يكن احد من الناس في أفغانستان يستعمل السكر مع الشاي وكان الناس يحلون الشاي بالفواكه الطبيعية ويستمتعون بطعم الشاي الأصلي دون أن يغيره السكر وفي احد الأيام قرر احد التجار الكبار ممن يتعاونون مع الانجليز أن يفتتح مصنعا للسكر في المدينة, وبالفعل قام بذلك ولكنه ومع بدء الإنتاج واجه مشكلة كبيرة تكمن في عدم رغبة أي احد في شراء السكر وبدأ المنتج يتكدس في المخازن والتاجر يزداد هلعا حتى راودته فكرة خبيثة وهي أن يستعين بأحد المتلبسين بعباءة الدين والدين منه براء وطلب منه أن يجد له حلا قبل أن يخترب بيته فوافق الأخير على طلبه بشرط أن يدفع له التاجر 10 % من قيمة كل السكر الذي سيبيعه , وافق التاجر بسرور, فما قيمة 10% مقابل أن ينقذ مصنعه ورأسماله من الإفلاس المحتم وبعد الاتفاق خرج الدجال وفكر بطريقة يقنع بها الناس بشراء السكر مستغلا إيمانهم وتدينهم وفطرتهم البريئة حتى تفتق فكره الخبيث عن فكرة شيطانية , وفي يوم الجمعة طلب الإذن من أمام المسجد أن يعتلي المنبر كي يقول شيئا هاما , أذن له الأمام بذلك وصعد صاحبنا على المنبر وقال :
– أيها الناس إني قد رأيت ليلة أمس في منامي احد ملائكة الرحمن وقد أمرني أن لا اشرب الشاي ألا مع السكر فانه من رحيق زهور الجنة ومن يشربه فله في كل رشفة ألف ثواب وفي كل كيلو يشتريه ألف ألف حسنة وانتم تعرفونني وتعرفون مدى زهدي وورعي واني أصدقكم الحديث والرؤيا اللهم أني قد بلغت اللهم فأشهد .
ما أن سمع الناس البسطاء هذا الكلام حتى هرعوا بعد الصلاة يطلبون السكر في كل دكان والكل يشتري أكثر من حاجته كي ينال ثوابا أكثر و ماهي إلا أيام حتى فرغت المخازن وعاد المصنع يعمل بكامل طاقته الإنتاجية ولا يكاد يستطيع أن يلبي الطلبات التي أخذت تنهال عليه من كل مكان .
ذهب مدعي الدين إلى التاجر كي يطالبه بحصته من الإرباح المتفق عليها ولكن التاجر الجشع استكثر عليه المبلغ وقال له :
– ياعزيزي كل مافعلته هو إلقاء خطبة في الجامع لم تستغرق سوى دقيقتين ولا احد يعلم أن كان احد استمع إليها أم لا ولكني إنسان منصف وسأعطيك 1% من الأرباح بدلا من 10 % وهذا جل ما استطيع فعله لك .
خرج صاحبنا غاضبا على خسارته المبلغ الضخم الذي وعده به التاجر وعقد العزم على أن ينتقم منه شر انتقام فكرر فعلته وطلب من أمام المسجد أن يسمح له باعتلاء المنبر فخاطب الناس وقال:
– أيها الناس إني قد رأيت ملاكا في المنام أمس وقال لي حذار من هذا السكر الذي يباع عندكم فأنه مخلوط بعظام ألموتي المطحونة ومن يضعه في الشاي فستكون الشياطين في قدحه طوال الوقت فحذاري حذاري, اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد .
ما ان سمع الناس هذا الكلام حتى القي كل منهم مالديه من سكر في القمامة والغيت الطلبات وعاد الكساد إلى مصنع التاجر وتملكه الرعب بعد السرور وعرف ان مدعي التدين قد انتقم منه شر انتقام فزاره في بيته واخذ يطيب خاطره وقال له :
– ياعزيزي هذا مزاح برئ ولم اعن اي كلمة قلتها وانأ تاجر شريف افي بوعودي ولو على قطع رأسي والاتفاق الذي عقدناه محترم وهذه حصتك مما سبق بيعه وهذا تعهد خطي وعليه ختمي بحصتك فيما سيتم بيعه لاحقا فسارع وانقذني قبل فوات الأوان .
اخذ صاحبنا النقود وفرح بها وكرر نفس فعلته وصعد إلى المنبر وخاطب الناس قائلا :
– أيها الناس قد شرفني الملاك بزيارة ثالثة وقال لي لم تضيعون ثواب شرب الشاي مع السكر ? فقلت له وماذا عن الأرواح الخبيثة والشياطين? فقال لي هذه بسيطة تضعون ملعقة في الشاي وتضربون بها السكر فتطردون الشياطين وتنعمون بالثواب .
ومن يومها كل من لديه بضاعة كاسدة يبحث عن طريقة كي يلصقها بالدين مستغلا طيبة الناس وتعلقهم بدينهم فيفرغ جيوبهم ويملأ جيوبه على حساب بؤسهم وصحتهم .

* مقتبسة من التراث الافغاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com