اراء وتحليلات

الانقلاب الديمقراطى فى تركيا

لو أن أحدا تحدث قبل عشر سنوات بما حصل فى تركيا هذه الأيام لاتهم بالسفه والخرف? هذا إذا لم يقدم إلى القضاء بتهمة الازدراء بالعلمانية.
(1)
أكثر من واحد فى اسطنبول قالوا لى إن تركيا عاشت فرحتين ونصفا فى شهر سبتمبر الحالى.
الأولى فرحة عيد الفطر
والثانية فرحة تأييد الأغلبية لتعديل الدستور.
أما النصف فتمثل فى فوز تركيا بالمرتبة الثانية فى مسابقة كأس العالم فى كرة السلة (الولايات المتحدة احتلت المركز الأول).
بطبيعة الحال فإن الفرحة من نصيب الذين أيدوا التعديلات وصوتوا لها? وهم يطلقون على الحدث أوصافا عدة.
فمن قائل إنه بمثابة ثورة صامتة?
وقائل إنه انقلاب ديمقراطى.
منهم من ذكر أنه الإعلان الشرعى عن ميلاد الجمهورية التركية الثانية وطى صفحة دولة العسكر.
أما المعارضون فإنهم تحدثوا عن «رصاصة فى قلب الكمالية»
وحذروا من «طوفان الطغيان القادم»?
ومنهم من أبدى أساه معتبرا أن تركيا باتت «ذاهبة إلى المجهول»?
وأنها «فقدت حصانتها»?
وهذه العبارات التى ذكرتها كانت عناوين لمقالات نشرتها الصحف خلال الأسبوع الذى أعقب إعلان النتائج.
لم يخل المشهد من رموز لها دلالاتها الموحية? فتحديد موعد الاستفتاء فى الثانى عشر من شهر سبتمبر أثار الانتباه. ذلك أنه اليوم الذى تم فيه أسوأ انقلاب عسكرى فى تاريخ الجمهورية بقيادة قائد الجيش كنعان ايفرين? وأدى إلى قتل المئات والزج بالآلاف فى السجون.
وهو من أمر بصياغة دستور جديد (صدر فى عام 1982)? ليضمن تشديد قبضة العسكر على البلاد وتأييدها?
وقد تضمن الدستور آنذاك 170 مادة? وتعرض للتعديل ومحاولة سد ثغراته 15 مرة من خلال البرلمان خلال العقود الثلاثة الماضية?
لكن ما جرى مؤخرا كان أول تعديل يتم من خلال استفتاء شعبى? وقد اعتبر الاستفتاء فى ذلك اليوم بالتحديد بمثابة رسالة ضمنية تعلن طى صفحة تلك المرحلة? وبدء مرحلة ما بعد هيمنة العسكرى.
هذه الرسالة أكدها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان فى أول خروج له إلى مكان عام? حين ذهب إلى صلاة الجمعة (يوم 17/9) فى مسجد الصحابى أبوأيوب الأنصارى باسطنبول? حيث قام وهو فى طريقه إلى المسجد بزيارة قبر عدنان مندريس رئيس الوزراء الأسبق الذى كان هو ووزيرا الخارجية والمالية من بين الذين قرر كنعان ايفرين إعدامهم بعد نجاح انقلاب عام 1980?
وكان عدنان مندريس رجلا إصلاحيا وصالحا? ويذكر له أنه من أمر بأن يتم الأذان للصلوات باللغة العربية? بعدما قرر سابقوه رفعه باللغة التركية.
(2)
المعركة كانت شرسة ومصيرية. هكذا قال حيدر يلدز رئيس الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية فى اسطنبول? مضيفا أنها كانت شرسة لأن أحزاب المعارضة اتحدت ضد حزب العدالة رغم ما بينها من تباينات وخصومات (فى تركيا 40 حزبا).
ليس ذلك فحسب وإنما انضم إلى المعسكر ذاته غلاة العلمانيين من مدنيين وعسكر وأصحاب رءوس الأموال والإعلام المناوئ والكاره.
وكان واضحا أن الأصابع الإسرائيلية والأطراف الموالية لها حاضرة فى الحملة المضادة? ومعهم جهات أمريكية أقلقها موقف الحكومة التركية إزاء الفلسطينيين ورفضها توقيع العقوبات على إيران.
وكان للإعلام دوره فى التخويف من حزب العدالة حيث استخدم الحجة التقليدية التى تغمز فى قناة الحزب مشيرة إلى الخلفية الإسلامية لقادته وتستخدم فزاعة «الأجندة الخفية» التى لا يراها أحد ولا يستطيع إثباتها.
وإلى جانب الحملات الإعلامية كانت هناك استطلاعات الرأى التى مال بعضها إلى أن حزب العدالة لن يفوز بأكثر من 50 أو 51٪ من أصوات الناخبين (مراسل إحدى القنوات العربية ذكر أنه لن يحصل على أكثر من 45٪).
الأمر الذى يعنى احتمالين لا ثالث لهما. أنه فى ظل ال50 أو 51٪ فإن ذلك سيعنى انقسام المجتمع التركى بما يفتح الباب لاحتمالات الانقلاب العسكرى.
أما فى الحالة الثانية فإن النسبة ستعنى هزيمة حزب العدالة وإجراء انتخابات جديدة تمهيدا لكسر شوكته ومن ثم إقصاؤه عن صدارة الساحة السياسية.
فى مواجهة حملة التخويف وشيطنة حزب العدالة? قرر المسئولون عن حملته الانتخابية أن يرفعوا شعار
«الحاكمية للشعب والقانون وليس للقوة».
وليس سرا أنهم استثمروا أجواء شهر رمضان لإيصال رسالتهم إلى أوسع دائرة ممكنة من الناس? وكانت التعليمات التى صدرت للقائمين على الحملة ألا يفطر أحدهم فى بيته طوال الشهر. وإنما على الجميع أن يصطحبوا أسرهم كل يوم للإفطار مع الناس فى الشارع.
وفى مدينة اسطنبول مثلا (9 ملايين ناخب) كانوا يغلقون شوارع بأكملها ويدعون الأهالى للإفطار معا. بعضهم كان يسهم بإفطاره والبلديات كانت تتكفل بالباقى (فى مدينة اسطنبول 39 بلدية منها 26 فاز فيها حزب العدالة).
حفلات الإفطار هذه جرى تقليدها فى بقية البلديات وتحولت إلى خيام رمضانية مقامة فى الهواء الطلق? وشهدت عديدا من الأنشطة الثقافية والترويحية التى استفاد منها حزب العدالة كثيرا.
(3)
حين رفع حزب العدالة شعار «الحاكمية للشعب والقانون وليس للقوة»? فإن دعوته كانت و

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com