اراء وتحليلات

الي صديقي في حضن الغياب

صديقي حسين عزيز…. تحية بغدادية? تحية تراب العراق المغمس بالدم والتشتت وروائح ج?ُيف الطائفية? تحية المكان في اللامكان
تحية عامين بعد الأربعين هو عمرك الهارب منه”أنت” إلى غياب يرشدك إلى الله والشمس? كم كان يقلك الحديث عن العمر والمستقبل والاستقرار والبيت والأطفال!! وكيف تبددت هذه السنون على مذبح الدفاع عن الوطن? وكيف ساقت بك الأقدار إلى هذه المدن الموغلة بالبرد والثلج والضباب والعلب الليلية? والخمر المعتق والحسناوات الثملات الهارابات إلى أنفسهن? هل يكفينا يا صديق كأس واحد لنسيان قلقل الحياة اليومية والأرصفة والضياع في أوطاننا المغتصبة المحكومة بالفوضى والقمع?!
كم أضناك الحديث عن الرئيس ووطنك المليء بالغربان وفرق الموت وكم أبكاك الحديث عن نينوى مرقد رأسك والحضن الدافئ? وست سنوات هرست بها صحراء الرافدين جسدك إبان الحرب الإيرانية? ولم تنبس ببنت شفه فداء للوطن ومحاربة اعداء الله والحضارة? وكم كنت فخورا لملامسة يديك ي?ٍد الذي غيبت روحه شياطين الغرب وعصاباته ومن بعده ضاع الوطن في تيه? يا صديق!!!
لكنك عبثا كنت ذات صباح شتوي مثلج تحاول إخفاء دموعك بعد أن طمرت رأسك بخرقة هي من رائحة نينوى? يومها استبسلت انا في معرفة ما يدور في خلدك ولم تتوانى لحظة عن البوح بما في راسك من ذكريات وعذابات? في رحلة البحث عن الوطن من اعتقال وتعذيب على يد _من يدعون الإنسانية ويتشدقون بحقوق الإنسان_ خفر السواحل اليونانية في الطريق إلى هنا? وعن ست طعنات كانت أحشاؤك على موعد معها بعد سقوط الوطن وضياعه? وكيف ان عصابات العمالة لم تتوقف لحظة واحد عن البحث عن طيفك ? هل لأنك كنت من المدافعين الأوائل عن الوطن?? أم انك كنت بعثيا افتراضيا ?? أم أن هناك حسابات للكون بحقك مغلوطة!!
كم نحن الغرباء مخذولون يا صديق? لا وطن ولا حبيبات ولا أهل!! فانا لست بأفضل حال منك? فوطني منذ اثنين وستين عاما وهو يضمد جراحه وما زال ينزف? ولا شيء يلوح بالأفق? والضياع مستمر? فيا صديقي مدن الأضواء هذه ليس لها غير أن تهرس أيامنا وتسلم ضجيج أجسادنا للحيرة والضباب وفوضى الغياب? فما اقسي أن تكون بلا عنوان وبلا رصيف وبلا مرفأ? وليس لك من هذه الدنيا غير حقيبة تتعب ساعديك في البحث عن نفسك…
إشارة…..
“عزيز حسين عراقي( 42) عاما مشرد عن وطنه بعد أن حاولت قتله لأكثر من مرة فرق الموت التي تهدد الحياة اليومية في العراق المحتل? جمعتنا رحلة اللجوء في إحدى مخيمات مملكة النرويج ورحل عني بعد ان تقرر نقله إلى إحدى المدن جنوب العاصمة اوسلو? هاتفني ذات ظهيرة باردة وكان صوته خافت ويشي بالتعب? عاودت الاتصال به مرات لكن هاتفه ظل أخرس ”

صحفي فلسطيني يعيش في اوسلو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com