كتابات

ملك العراقية الباحثة عن وطن………….. بعد أن فقدت بلاد الصحاري إنسانيتها

على باب مكتب استقبال اللاجئين في مخيم ” ليير” غرب أوسلو? ووسط حقائب مليئة بالأمتعة والذكريات التقيتها? وجه قمحي أرهقه السفر يترع على جسد نحيل? عينان سوداوان فيهما آلاف الأسئلة تبحث عن القدر نفسه من الأجوبة? يعلوهما حاجبان بخط القلم? وفيما البرد يعربد في المكان كانت سيجارة “برنز” نرويجية الصنع تشق طريقها عبر سبابتها والوسطى إلى شفتيها? وبينما كانت تنتظر نقلها إلى المخيم كان برد العاصمة قد نال من أطرافها السفلية ليحملها على الاحتماء باحد جدران المبنى المكون من ثلاثة طوابق علها تتخفف من وطأته.
أطفأت ملك هاشم عراقية الجنسية عامها الثاني والعشرين في بلد الثلج? النرويج? بعد أن تعودت أن تحتفل بعيد ميلادها كل عام وسط الأهل والأحبة في حي السيدية غرب بغداد? حملها القدر على ترك وطنها بعد أن ضاقت بها عاصمة الرشيد? جابت كل أوروبا وتحملت وحشة الطريق علها تجد ألأمن والاستقرار? بدأت حياتها تنزف دما قبل عامين عندما كانت تدرس علم الحاسوب في إحدى الكليات العلمية الخاصة التي تم إنشاؤها بعد سقوط النظام? تواظبت مجموعة من الشبان كانوا يقودون سيارة لا تحمل لوحة تسجيل على مطاردتها أكثر من مرة? ذلك أن الحكومة العراقية لا تسمح بتسجيل المركبات والسيارات الجديدة والمستوردة من الخارج إلا بعد مرور أكثر من شهر من دخولها البلد? مما يعطي فرصة قوية لذئاب الشوارع ممن يركبون هذه السيارات بتعقب الفتيات واختطافهن ومن ثم اغتصابهن أو سرقة أشيائهن واللوذ بالفرار دون أن تعرف الشرطة العراقية صاحب هذه المركبة أو سائقها? وكانت ملك فريسة هذه الفئة الضالة? وفي يوم من أيام بغداد شديدة القيظ وبينما كانت تنتظر الحافلة لتعود إلى بيتها اختطفتها إحدى هذه المجموعات? دون أن يعرف احد مكانها? ووسط نشيج متقطع قالت ملك” يومها فقدت القدرة على الحركة والكلام أغمي علي وانهارت قواي? عشر ساعات غبت بها عن الدنيا? أيقنت أني في المحطة الأخيرة نحو الموت? لكن قدرة الله كانت أقوى من أن يفتكوا بقدسية جسدي سرقوا بعض ما كان معي من ذهب و نقود ورموا بي على قارعة إحدى طرقات بغداد منهارة القوى ممزق جزء من ملابسي” وتسهب” عثر علي أحد المارة ونقلني إلى إحدى مستشفيات العاصمة لتلقي العلاج? بعد أن أسعفني لساني بإبلاغه عن هويتي ومكان سكني? حضر الأهل وطلبوا من الأطباء فحصي ليتأكدوا فيما إذا كنت قد فقدت عذريتي? لكن قدرة الله شاءت بأن لا يكون ذلك? صداقت حبوب “الفاليوم” المهدئة التي أصبحت لا تفارقني البته إضافة إلى بعض نوبات الغثيان ”
مرت شهور عجاف في حياة ملك قبل أن تستعيد بمساعدة الأهل صياغة حياتها من جديد لتعود إلى كليتها وهذه المرة بحذر وخوف شديدين? وفي زحمة هذه الفوضى كان الوالد الستيني- الذي حرم من الابن فكانت ملك وشقيقاتها الثلاث في السابق رجل البيت? لكن اليوم ذئاب بغداد لا يرهبها رجل شديد البأس عندما تحتكم إلى لغة الدم- يتولى مهمة إيصالها إلى الكلية وإيابها.ومع منتصف هذا العام عاد شبح السيارات غير المرقمة يطاردها ولكن هذه المرة أثناء تنقلها في زيارة جيرانها وأقربائها في الحي الذي تقطنه? ليكون خيار الرحيل عن الوطن هو البديل الأمثل بعد أن تركت دراستها التي شارفت على الانتهاء? لكنها لم تنهها.
وترى ملك بعد أن استأذنتها بإطفاء سيجاراتها التي كنت تطارد وجهي? أن في سيجارتها المشتعلة على الدوم متنفس لها فقد احترفت التدخين بعد سلسلة الحوادث التي تعرضت لها في العراق.
ارتحلت ملك بعد شهر من مكوثها في مخيمها الأول إلى جنوب أوسلو ?وحدها? في انتظار من يحترمون معنى الإنسانية في بلاد الثلج? أن يسمحوا لها بالإقامة
فيها? بعد أن فقد من هم في بلاد الصحاري إنسانيتهم.

hatem_pals@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com