كتابات

ابن الناس وابن الشارع

نحاول ان نقنع انفسنا احيانا?ٍ بأنا على قدر من المعرفة و القدرة على ادارة كل الاحداث و المتغيرات الواقعة علينا ? و الحقيقة التي تظهر على واقعنا ان كل ما حدث و يحدث في الوقت الراهن قد افقدنا السيطرة على كثير من الامور الهامة ? فانفلتت من بين ايدينا و بتنا نتفرج على نتائجها التي شاركنا – حقيقة – في صناعتها حتى اصبحنا نشكل جزء من تلك الصنيعة .
نعرف ان المستقبل لا ي?ْرى ? و لكنه متوقع بحسب الخطة التي رسمناها و دقة تنفيذنا لها لنصل الى النهاية المتوقعة و التي نسميها ( المستقبل) .. و لكن اذا ما مضينا في طريق الحياة دون خطه مدروسة جيدا?ٍ فبالتأكيد سيكون مستقبلنا مجهول عنا ? و ربما نرفضه ? فلابد من رسم خطة لنسير عليها حتى نصل الى الغاية المنشودة و حتى لا ن?ْفاجئ بنتائج نهاية الطريق كما تفاجئنا بواقعنا و بما آلت اليه أنفسنا و مجتمعنا الآن ..

ان المجتمعات المتقدمة لم تصل الى ما وصلت اليه من نجاحات و تقدم مصادفة او عبر لعبة اليانصيب ? بل كانت هناك عقول مفكرة و ارادة و تصميم قوي على تنفيذ ما نتجت عنه تلك الافكار من خطط بهدف الوصول الى الحلم ليصبح حقيقة تعاش و يتفاخر بها صانعوها ? مع علمنا و قناعتنا التامة ان من فكر و خطط و نف?ذ لم ينعم غالبيتهم بتلك النجاحات فقد واراهم الثرى قبل ان يرى حلمهم النور ? و على يقين ايضا ان من تنعم بذلك النور هم الاجيال التالية التي ورثت عنهم الحلم و الخطة فمضوا الى الامام ..

لا عجب اذا عندما نرى اولادنا من العقدين السابقين و اتوقع من العقد القادم ايضا?ٍ و هم ينضوون تحت ظلال الفتنه و الغفلة و اللهث خلف بقايا التطور الذي ي?ْرمى بها العالم الثالث من العالم المتقدم من ملابس و فنون و أفكار قد تعبوا منها و تخلوا عنها .. فكيف تنهار الاخلاق و لا نقم بفعل شيء حيال انقاذها من الانجراف نحو الهاوية ? و إذا ما تحققنا من واقع مجتمعنا العربي سنجد ان العائلة هي السبب الرئيسي في انحدار اخلاق ابناءهم ? فالعائلة التي لم تضع خطة لأبنائها في تربيتهم و التركيز على بناء اخلاقهم و شخصيتهم في سنواتهم الأولى تعتبر المساءل الأول للحالة التي وصلت اليها اخلاق ابناءهم من انحدار ? فأولاءك الابناء يشكلون الجيل الذي ينتج جيلا آخر بنفس الاخلاق او ادنى بكثير ? فيبدأ الانحدار بتجربة جريئة حتى تصبح عادة و قد ترتقي الى فعل الابداع و التطوير و ربما تنتهي ” بعقيده ” يتوارثها الابناء جيلا بعد جيل ..

ففي الماضي القريب كنا نعد الابناء نوعين ( ابن الناس ) و( ابن الشارع ) فمن صفات ( ابن الناس ) الادب في الكلام و الحرص على تطبيق آداب الاكل و خصوصا?ٍ امام الاخرين ? طريقة المشي و المحافظة على التعاملات الادبية مع الآخرين و اشياء أخرى عديدة ? اضافة الى الالتزام الديني الذي يغلف تلك الشخصية بغلاف يسمى (ابن الناس ) بينما ابن الشارع و لا اقصد بهذا الوصف الطفل المتشرد عينه بل اقصد ذاك الابن الذي ينسدل من عائلة محترمة و لكنه لا يحسن الكلام و لا التصرف و لا يعامل الآخرين بتلك الاخلاق المتوقعه من شخص في مثل سنه و مكانة عائلته الاخلاقية ? هنا نطلق عليه – تشبيها?ٍ – ( ابن الشارع ) أي المتشرد الذي لا عائلة له تعلمه و تؤدبه ..

و في الواقع الذي وجدنا انفسنا فيه لم نعد نفرق بين ابن الناس و ابن الشارع فقد اصبح كثير منهم سواء في الاخلاق و حتى في الشكل و المظهر ? و بتنا نرى كثير?َ من العائلات المحترمة تهمل تربية ابناءها ? فنرى غالبيتهم ” يطردون ” ابناءهم من المنازل في الساعة الثالثة في موعد اصبح شبه متفق عليه بين الاطفال ? لا يعرف الطفل موعد للرجوع الا بعد صلاة العشاء او بعدها بساعتين .

العائلة هي العنصر الاساسي في بناء مجتمع واع متعلم متطلع نحو المستقبل فهي كالشمس التي تملأ الارض بنورها و أشعتها ? و التشرد و الانحدار الاخلاقي كالذبابة التي تقتات على القاذورات و تشدها للعيش فيها ? فان اردنا رفعة في الدنيا و حضارة نباهي بها الامم و تاريخ نفخر و تفخر به الاجيال القادمة فعلينا بالعائلة ? فمتى انتهت العائلة فلن نجد مجتمع انساني بل سنجد حيوانات بشرية في برية ? فإن اردنا ان نرتقي بمجتمعنا علينا ألا? نترك للذبابة مكان?َ ابدا حتى لا تغلب بقذارتها اشعة الشمس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com