كتابات

إلا رسول الله !

الحمد لله..

عندما ن?ْشرت الرسوم المسيئة فى الدنمارك هتف المسلمون: إلا رسول الله.

كما هتف الملايين عندما نشرت وسائل الإعلام خبر محاضرة بابا الفاتيكان سيئة السمعة: إلا رسول الله.

وكذلك عندما ظهر الفيلم الهابط الرخيص? ضجت الناس مرددة: إلا رسول الله.

وهكذا تستشعر القلوب معانى غيرة المحب عندما يسىء أحدهم للمحبوب..

وخلال الأشهر الماضية ظهر نوع جديد من التطاول على الجناب الشريف والإساءة إلى قدره المنيف? يرتكب ج?ْرمه ويبوء بإثمه أناس من الذين آمنوا به وصدقوا برسالته? وفيهم الحافظ لنص القرآن! وفيهم من يحمل لقب الداعية! بل ربما توهموا أثناء تطاولهم أنهم ينصرون دينه ويجاهدون لتطبيق تعاليمه!

وكانت بداية المشكلة منذ سنوات بارتفاع أصوات تنتسب إلى الدعوة بنمط قبيح من الخطاب المحتوى على قاموس من السباب تنبو عنه المسامع ولا تستسيغه النفوس السوية.. فكنت أقول: لعل غلبة الانفعال جعلتهم يتجاوزون الأدب.. ولعل شعورهم بأن الدين م?ْستهدف قد أفقدهم الاتزان.. ولعل سنوات الاضطهاد والأذى قد أنفدت صبرهم.. ولعلهم مع مرور الوقت يستعيدون اتزانهم.. ويثوبون إلى رشدهم.. ليعودوا إلى الهدى النبوى الشريف..

غير أن المنحى الخطير الذى استجد? وهو ما لا يحتمل السكوت عليه? هو انحرافهم عن الفطرة السليمة والسنة القويمة إلى حد محاولة تبرير قبح خطابهم بنسبة هذا القبح إلى سيد الأخلاق? من عظ?م الله خ?ْلقه فقال مخاطبا?ٍ إياه: «و?ِإ?ن??ِك?ِ ل?ِع?ِل?ِى خ?ْل?ْق?ُ ع?ِظ?يم?ُ».

وذلك عبر الاستشهاد بنص استثنائى متعلق بظرف خاص وعلى نحو منحرف عن دلالته اللغوية المجازية ودلالته الثقافية المرتبطة بما كان متعارفا?ٍ عليه فى ذلك السياق? ليجعل من هذا الاستثناء غير المقطوع بثبوته أصلا?ٍ بعد تحريفه عن سياقه..

وكل ذلك من أجل ماذا?

من أجل تبرير الخطأ الذى وقع فيه وإعفاء نفسه من التهذيب كى يطلق لها العنان مسترسلة فى غي?ها!

سمعت أحدهم يقول إن السن?ة تقتضى أن نقول لمن يتعزى بعزاء الجاهلية: «اعضض على هن أبيك» مستدلا?ٍ بذلك على مواجهته لمن «يعتبرهم» أعداء?ٍ للإسلام بأشد العبارات!

ولا أدرى هل جهل أم تجاهل هذا أن مفهوم النص هنا هو تذكير من يتعزى (يتفاخر ويستكبر على الناس) بأمجاد أجداده فى الجاهلية بأنه فى الأصل كان نطفة خرجت من مكان مهين! ومع ذلك فقد عف? النبى عن ذكر المكان واستخدم الكناية رعاية للأدب..

ألم يتعلم القاعدة الشرعية التى تقتضى رد المتشابه من النصوص إلى المحكم منها?

وآخر يستشهد بما ورد من أن سيدنا أبا بكر الصديق قال لأحدهم: «امصص بظر اللات».. ليبرر بذاءة ألفاظه!

ولا أدرى أيضا?ٍ هل جهل أم تجاهل أنها لحظة انفعال نادرة رويت عن الصد?يق رضى الله عنه? وذلك عندما رأى مبعوث قريش فى الحديبية يهدد النبى بكلام يشكك فيه بثبات من يحيط به من المؤمنين تارة ويمسك بلحية النبى تارة أخرى? فقال له هذه العبارة المألوفة فى مجتمع الجاهلية وكانت متصلة بصنم كانوا يعبدونه.. والصديق? رضى الله عنه? غير معصوم عن الخطأ ولا يستطيع أحد الجزم بأن النبى لم ينبهه بعد هذا الموقف..

فهل وصل بنا الأمر إلى أن نستميت فى الدفاع عن سوء تصرفاتنا إلى درجة تبرير هذه الأخطاء بمحاولة إلصاقها بالنبى الكريم وهديه العظيم! ومن خلال روايتين غير متواترتين مع تجاهل عشرات النصوص القرآنية قطعية الثبوت وعشرات الأحاديث والمواقف النبوية التى تأمر بحسن الخلق وتدل عليه? لنجعل من الفهم السقيم لواقعتين استثنائيتين قاعدة نضرب بها المنهج الثابت للكتاب والسنة!

ألم يقرأ هؤلاء القوم قوله تعالى: «و?ِلا ت?ِس?ت?ِو?ى ال?ح?ِس?ِن?ِة?ْ و?ِلا الس??ِي??ئ?ِة?ْ اد?ف?ِع? ب?ال??ِت?ى ه?ي?ِ أ?ِح?س?ِن?ْ ف?ِإ?ذ?ِا ال??ِذ?ى ب?ِي?ن?ِك?ِ و?ِب?ِي?ن?ِه?ْ ع?ِد?ِاو?ِة?َ ك?ِأ?ِن??ِه?ْ و?ِل?ي??َ ح?ِم?يم?َ»?

ألم يقرأوا قوله تعالى: «و?ِق?ْول?ْوا? ل?لن??ِاس? ح?ْس?نا?ٍ»?

ألم يقرأوا قول النبى الكريم: «اتق الله حيثما كنت? وأتبع السيئة الحسنة تمحها? وخالق الناس بخلق حسن»?

ألم يقرأوا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذىء»?

ألم يقرأوا حديث «إن الفحش والتفاحش ليسا من الإسلام فى شىء? وإن خير الناس إسلاما أحسنهم خلقا»?

ألم يستوعبوا ما رواه البخارى من وصف أبى سعيد الخدرى للنبى بقوله: «كان النبى? صلى الله عليه وسلم? أشد حياء من العذراء فى خدرها? فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه فى وجهه»?

ألم ينتبهوا إلى عتابه لأ?ْم??نا الصد?يقة عائشة? رضى الله عنها? عندما أخذتها غيرة المحب وغضبت من تكرار قول بعض اليهود الذين يدخلون على النبى له: «السام» عليك تحريفا للفظ «السلام» عليك (والسام معناه الموت)? فقالت رضى الله عنها: عليكم السام واللعنة والغضب. فقال لها رسول الرحمة: «مهلا?ٍ يا عائشة? فإن الله يحب الرفق فى الأمر كله».

فقالت: يا رسول الله? أو?ِلم تسمع ما قالوا?

فقال: «فقد قلت: وعليكم»..?

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com