كتابات

لازالت اليمن على قرن ثور !

تحكي لنا الجدات والأساطير بأن الكون كان يقف على قرن ثور ضخم ? وأن أية حركة أو غضب يجتاحه يتسبب بالزلازل ?البراكين ? وكل عنف الطبيعة..إلخ ? فالحياة في الكون متوقفة على حركة ومزاجية الثور : غضبه من سعادته ..

بمرور الزمن ? وقانون التغير ? بدأ الكون ينفصل تدريجيا?ٍ عن القرن النابت في جسده ? مذ بدأت الكائنات تستقل وتمارس حياتها الطبيعية ? وكذلك فعل الإنسان عندما تأنسن ومارس آدميته ? وشغل عقله وحواسه الأخرى ? فاخترع الآلة ? واشتغل على العلوم الطبيعية والمعارف من فلسفة وآداب وفنون ..إلخ ? وتوج مبدأ الحرية والفردية بفصل الدين عن الدولة وقاد عجلة التنوير ليس في خدمة شخصه ? بل وخدم البشرية والكائنات الأخرى? كل تلك الإنجازات البشرية حدثت مذ أن قطع الإنسان علاقته بقرن الثور .

**

أما اليمنيون فمازالوا يقفون ويرقدون ويتثاءبون ويخزنون بأجود أنواع القات على قرن ثور حرون? ومنقلب و متقلب وهادىء تبعا?ٍ لإيقاع الحالة اليمنية ? فلا يريدون أن يعملوا مثل بقية العالم ? فينفصلوا تدريجيا?ٍ عن الثور وقرنه .. و“السبطة ” سبطة وجودية / فبدونه سينتهون .

**

المزعج أنه كلما لاحت بوادر الانفصال عن القرن ? كلما هاجت الجموع المليونية المفجوعة تتفجر بالمسيرات المنددة بفصل ثوابت الأمة عن القرن ? فيرعدون بخطبهم النارية ? من أننا أمام معترك تاريخي وجودي ومؤامرة صهيونية – أمريكية لاجتثاث وجودنا “السابط” على قرن الثور المقدس ? فبالقرن نكون أو لا نكون .

**

ففي أحداث اليمن “الم?ْثو?رة” لم نكتف بالوقوف والوساح والرقدة على قرن الثور ? بل وبجانبه اعتمدنا قرونا?ٍ قاتلة أخرى : قرون الرصاص الناسف ? وقرون القات ? وقرون الجنبية ? وقرون القبيلة ? والاتكاء على قرن الدين (الوهابي)? ثم قرن القرون : الغنيمة “الفيد” ..ليتداخل الأسطوري مع الواقعي ? ومن ثم لم نعد ندرك التباين بينهما ? فالكل واحد .. بل عندما يتحدث العالم الآخر عن اليمن ? يظهر القرن .. فالقرن هو اليمن ? واليمن هو القرن ? وما أحداث يوم “الربوع على قرنك” إلا إحدى أساطير القرون المتضادة مع فكر الحياة .

**

قيل أن الثور الأسطوري لليمن قد أنهك ? وأن قرنه قد بدأ يتفتت من شدة تزاحم قرون الثورات والثورات المضادة? ناهيكم عن قرون الرصاص والجنبية والقات ? وخلطة السياسة بالإيمان والعكس ? ثم تقلبات اليمنيين وتناقضاتهم وكلها قرون دموية? ففي كل نطحة مقتلة ? فقرن الثور الأسطوري الذي حمل الكون مليارات السنين ? لم يعد يستطع أن يتحمل اليمن وأهلها ? خصوصا?ٍ عام2011 الذي فاق كل التقلبات ?والتناحرات الظاهرة والباطنة .. فقرون اليمن “غير” .

**

في يوم من الأيام أراد الثور أن يبلغ اليمنيين بقرب نهايته فاجتمع بكل اليمنيين بطوائفهم واتجاهاتهم المختلفة ? وقال لهم : حلوا عن قرني بجاه الله .. انهكتموني وسأنقرض بسببكم ? قرونا?ٍ طويلة ? وأنتم ثابتون على قرني ? م?ْبلطحين م?ْخزنين ? م?ْبجمين ? م?ْبحشمين ? وآخرها “تنجعوا” ما يبتلعه جوفكم على قرني ..الله يخزيكم !!

ردوا : نحن قدسناك ياثورنا وجعلنا منك إلها?ٍ ذات يوم ? فلماذا تريد أن تنفصل عنا ? قال شيخهم الكبير : والله إنك ثور مكسور ناموس ? وقليل أصل .

كرر الثور حديثه : يا جماعة الخير ? قرني بدأ يتكحتت من شدة الدمار والخراب الذي تعيشونه .. فمن أين لي بقرن غيره? أتعرفون ? لم يبق على قرني سواكم أيها اليمنيون ? لابد أن تعملوا حلا?ٍ إنقاذيا?ٍ لأنفسكم .. وتبدأوا حياتكم الطبيعية مثل كل الأمم والشعوب ?.

**

لم يبال اليمنيون بمخاطر حديث الثور الذي بدأ يدخل في طور الأنقراض ? ووجدهم يواصلون “ الانبطاح السابط” على قرون كثيرة ? فيخترعون القرون تلو القرون .

**

خاف الثور على اليمنيين من لا مبالاتهم العجيبة وتساوى الحياة والموت عندهم .. لكنه لم “ يسخ ” عليهم ? فما إن بدأت الحياة تمور ببداية النهاية ? قال الثور في نفسه : لن ? أعمل عقلي بعقلهم ? سأتدبر الأمر ? وسأعطيهم محاولة أخرى كي لا ينقرضوا معي ? وتكون نهايتنا معا?ٍ . سأجد حلا?ٍ ? يضمن حياتهم “ما بهم سخى”..

بعد مرور زمن طويل? وجد الثور أن الحل يكمن في سبلته ? فعبرها ستحدث توازنا?ٍ لاستمرارية الحياة ? فقال لهم : لتقفوا أيها اليمنيون على سبلتي ? وأمري إلى الله ..

**

هكذا ولسنين طويلة لا تعد ولا تحصى واليمن واقفة على متكئي :القرن والسبلة .. لكن لا محيص من التقلبات الساخنة التي طير?ت بالبلاد والعباد ? فاشتد القحط والدمار والحروب وصراعات الهويات الدينية والعرقية حوثية واصلاحية ? وصالحية ? وعائلية ? وأحمرية ? وحراكية ? وشائفية ? وقعشانية ? ومخلافية ? فتقصقصت اليمن “أشقاف ? انداف”.

**

ضاع القرن والسبلة فلقد كان التوازن وقتيا?ٍ ? بل زادت براكين الاقتتال وزلازل المحاصصة .. احتار الثور ? واحتار معه ما تبقى من قرنه وسبلته المقرططة ? فقال : ما يحدث يفوق خيال سبلتي وقرني الأسطوريين ? فلم تعد الأسطورة مجدية كما كان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com