اراء وتحليلات

مغامرة حكومة الأخوان

أفهم أن يطالب البعض بتكليف الإخوان بتشكيل الحكومة في مصر? لكني أستغرب ان يأخذ الإخوان الكلام على محمل الجد? فيشمرون عن السواعد ويشاورون ويرشحون ويرتبون.ثم يقول قائلهم بمنتهى الحماس انهم ليسوا جاهزين من اليوم فقط? ولكنهم جاهزون من أمس أيض?ٍا!

(1)

يثير انتباهنا لأول وهلة? ان بين من يلحون في هذه الدعوة نفر من الكارهين والشامتين والبصاصين الذين كانوا أبواق جهاز أمن الدولة في ظل النظام السابق.

وهي ملاحظة أسجلها بسرعة ولا أدعو إلى الوقوف عندها طويلا? ذلك انني مستعد لافتراض حسن النية لدى الأغلبية? وتفهم الحجة المنطقية التي تقول ان الحزب الحائز على الأغلبية في البرلمان يتعين عليه ان يشكل الحكومة.

علما بأنني لست مشغولا كثيرا بما إذا كان يحق لهم تشكيل الحكومة أم لا? لكن سؤالي ينصب على ملاءمة وجدوى الإقدام على هذه الخطوة في الظروف الراهنة لمصر.

واجابتي السريعة أنني أعتقد ان ذلك ليس في مصلحة البلد ولا في مصلحة الإخوان.أما كيف ولماذا? فذلك ما سأحاول شرحه هذه المرة.

(2)

أرجو ان يكون واضحا في الأذهان ابتداء أنني أتحدث عن حالة مصر ولا أطلق حكما عاما? لاقتناعي بأن مصر لها خصوصية لا تتوافر لأقطار أخرى كثيرة.

إذ هي بلد مركزي يعد مفتاح العالم العربي وعاصمته? كما قال بحق الدكتور جمال حمدان? إذا عز??ِت استعادت الأمة عزتها وكبرياءها? وإذا هزمت انكسرت الأمة وذلت.

ولا أعرف ان كانت هذه المقولة تحتاج إلى برهان أم لا? لكنك إذا تطلعت إلى حال الأمة بعدما وقعت مصر معاهدة السلام مع اسرائيل واذا رصدت أصداء هذه السقطة في أرجاء العالم العربي? فلن تحتاج إلى مزيد برهان.

بكلام آخر فان خصوصية الموقع أضفت على مصر أهمية أغرت القوى الكبرى على مدى التاريخ بأن تتطلع اليها وتطمع فيها? حتى تحدث الدكتور حمدان في مؤلفه «شخصية مصر» عن جناية الموقع على هذا البلد.

ضاعف من أهمية مصر في الاستراتيجيات العالمية أمران?

الأول معاهدة السلام مع اسرائيل?

والثاني أنها تتصدر عالما عربيا يختزن النفط الذي تعتمد عليه الصناعة الغربية? الأمر الذي جعل ذلك العالم وعاء مهما للمصالح الحيوية الغربية.

لأن الأمر كذلك? ففي النظر الغربي ثمة «سقف» لأي حراك في مصر والعالم العربي? حيث مسموح لأي دولة ان تفعل ما تشاء مادام ذلك لا يمس من قريب أو بعيد السلام مع اسرائيل أو موضوع النفط الذي بات يوصف بأنه مصلحة غربية عليا.

واذا صح ذلك التحليل فان الدوائر الغربية والاسرائيلية تتوجس من أمرين في العالم العربي

أولهما الاستقلال الوطني

وثانيهما الديموقراطية الحقيقية.

اذ من شأن تحقق أي منهما أو كليهما ان يؤدي في نهاية المطاف إلى اشتباك مع المصالح الغربية والطموحات الاسرائيلية.

لسبب جوهري هو ان استمرار تلك المصالح والطموحات يفترض حالة من «الخضوع» للسياسة الغربية? الأمر الذي لابد ان يصطدم مع استحقاقات الاستقلال أو مقتضيات الممارسة الديموقراطية.

لذلك فاننا لا نبالغ إذا قلنا ان ترحيب واشنطن أو غيرها من الدول المعنية بالربيع العربي مؤقت ومشروط بألا تتعارض ثماره مع ذلك السقف المفروض.

(3)

إذ يممت وجهك شطر الداخل الذي هو الأهم والأساس فسوف تجد ان الأضواء الحمراء تخطف البصر وتفوق الحصر? ذلك ان مصر التي دمرها وشوه مؤسساتها النظام السابق تحتاج إلى بناء جديد.

وذلك هم تنوء بحمله الجبال.اذ لا تحتاج مصر إلى مجرد اصلاح سياسي يتحقق باصدار دستور جديد أو اجراء انتخابات برلمانية? وانما المطلوب والمأمول ان تستعيد مصر عافيتها وتتجاوز حالة التقزيم والاعاقة التي فرضت عليها وأخرجتها من مجرى التاريخ حتى أصبحت مجرد حقيقة جغرافية.

صحيح ان تقدما كبيرا حدث بعد الثورة في مجال الحريات العامة? لكن قائمة المهام المطلوب انجازها طويلة? وحلم النهضة والعدل الاجتماعي يستدعي ملفات أخرى كثيرة تشمل التعليم والصحة والاسكان وغير ذلك من مجالات الخدمات? إلى جانب ملفات الانتاج التي يطل منها كم مقلق من الاشارات الحمراء.

ذلك ان ثمة شبه اجماع بين الخبراء على ان الوضع الاقتصادي في مصر سيكون في أسوأ حالاته خلال السنة المقبلة على الأقل.الأمر الذي لا يتفاءل هؤلاء بتأثيراته وتداعياته الاجتماعية وربما السياسية أيضا.

ولاتزال ترن في أذني مقولة رددها أمامي واحد من أولئك الخبراء.ادعى فيها ان ادارة شؤون مصر في الفترة المقبلة ستكون أقرب إلى العملية الانتحارية? ما لم يتم التصدي للمسؤولية بأكبر قدر من المهارة وأوسع اطار للمشاركة من جانب الطبقة السياسية والقوى الحية في المجتمع.

(4)

إن التحديات الجسام التي تواجه مصر الثورة في الداخل والخارج لا تحتمل التبسيط أو المغامرة.وهي أكبر من الإخوان ومن أي فصيل بذاته.

وأرجو ألا يقارن أحد الوضع في مصر بنظيره في تركيا أو ماليزيا أو كوريا الجنوبية أو سنغافورة لثلاثة أسباب.

الأول ما ذكرته توا من ان مصر لها وزن مختلف في الحسابات الاستراتيجية الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com