كتابات

عودة الرئيس.. خيار ماقبل الانهيار

منذ الكارثة المروعة في مسجد دار الرئاسة? وسفر رئيس الجمهورية وطاقمه القيادي الكبير للعلاج? اندفعت الاطراف المستفيدة من غيابه إلى تكوين رأي عام رافض لعودة الرئيس? وتهيئة نفسيات أنصاره لتقبل الفكرة? دون مراعاة لانعكاسات هذا التغييب القسري وتداعياته الكارثية على الاستقرار والسلام الاجتماعي والأمن القومي للبلد.. ولإنجاح المهمة شرعت في تحريك حملة اعلامية ضخمة? بدأت بالترويج لمصرعه منذ اللحظات الأولى للحادثة? وانتهت إلى التهديد بحرب طاحنة اذا قرر العودة.

غير أن إشاعات مصرعه التي دشنوا بها حملتهم التصعيدية الفاشلة أثمرت نتائج عكسية تماما? بعد أن ثبت لهم انه على قيد الحياة وأن الاقدار كتبت له عمرا جديدا?ٍ لتتزايد قاعدة التعاطف محليا وخارجيا وتختلط الأوراق من جديد.

كان بإمكان المناوئين الاكتفاء بهذه النتيجة المخيبة جدا كي لاينشغلوا عن قضيتهم الرئيسية أو يخسروا ثقة الناس بمصداقيتهم? لكنهم أصروا على مواصلة حرب الأكاذيب فروجوا لتدهور حالته الصحية ودخوله غرف الانعاش وفقدان الحركة كليا?ٍ- لجعل فكرة عودته من سابع المستحيلات.. لذا تم تسريب كم هائل من الأخبار عن أمراض كثيرة قيل انه “معتل” بها ولن تسمح بعودته مطلقا أو حتى ظهوره تلفزيونيا?ٍ لتتجلى نزعة الشماتة في أقبح صورة.

الملفت ان تأخر ظهوره المتلفز كان كافيا?ٍ لطمأنة بعضهم والتحدث بنرجسية المنتصر عن أن عودة الرئيس او عدم عودته لا تعنيهم في شيء ولا تشكل مشكلة بالنسبة لثورتهم? حتى ان الكثير منهم صرح بأن الرئيس مواطن يمني ومن حقه ان يعيش في بلده بعيدا عن السلطة.

ولو أن المناوئين اكتفوا بتلك المزاعم الم?ِر?ِضية كمبرر لغيابه وعدم اكتراثهم بعودته لكان بدا في موقفهم شيء من الكياسة والحكمة اليمانية ورقي الاخلاق “الثورية” المترفعة عن الاحقاد والصغائر? غير أن فشل توقعاتهم وترويجهم الزائف لأمراضه العديدة ومزاعم غرف الانعاش سرعان ما كشف الأقنعة وفضح خبايا النفوس.. فبمجرد ظهور الرئيس سليما?ٍ متماسكا?ٍ بعد 8عمليات جراحية ناجحة? ولقائه بمساعد اوباما لشئون الارهاب وقرب عودته? عادوا للانقلاب على فكرة العودة من اساسها? وتم ضخ سيل من التصريحات النارية والتحليلات التهويلية التي تحذر من عودة الرئيس لأنها “ستزيد من توتير الاوضاع وتضاعف المشاكل وتصب الزيت على النار”? لدرجة ان العتاولة منهم هددوا بحرب أهلية في حال عودته? واللجوء لـ”الكفاح المسلح”.

كل تلك الاشاعات والتهديدات والمخاوف من عودة الرئيس كان يمكن ان تثير الهلع وتؤخذ على محمل الجد لو أنها في بلد آخر غير اليمن.. اما في بلد يعرف العالم حقيقة انقساماته وتركيبته الاجتماعية المعقدة وموروثه الزاخر بالصراعات وثقافة التسلح التي انهكت الجميع وعطلت قيامة اليمن النهضوية فإن مثل تلك الفزاعات لا يبدو انها أخافت أيا?ٍ من اليمنيين- لأنهم أساسا?ٍ?ٍ هيأوا أنفسهم مبكرا?ٍ لاحتمالات الحرب? كما ان كارثتهم المعيشية اليوم هي حرب فعلية لا ينقصها سوى صوت الرصاص ودوي القذائف? بل حتى منذ اشتعال موجة الغليان العربي- وثورات الفيس بوك- واليمنيون يتوقعون انعكاساتها الطاحنة على بلدهم? لأنهم يدركون خصوصيتهم التي ستجعلهم يدفعون الثمن فادحا دون الوصول لأية نتيجة.. لهذا رأينا كيف انتصر التوانسة في شهر? واختصرها المصريون في 15 يوما? بينما في اليمن ما تزال الساحات متعثرة منذ قرابة سبعة اشهر دون ان تتقدم خطوة واحدة? رغم ان توقعاتهم راهنت على سهولة حسم الوضع خلال اسبوع? وسبب هذا التعثر أن الجميع في الداخل والخارج لم يقد?ر خصوصية المشهد اليمني- من سلاح وقوة? وتركيبة اجتماعية وثقافية وطائفية معقدة? بل وانقسام كبير حيال القضية الديمقراطية والحقوقية التي لا تحتاج أكثر من الضغط باتجاه الاصلاحات الحقيقية والشراكة الجادة لصناعة ثورة توافقية تغير وجه البلد? لا فورة انقسام.

كل تلك التخرصات والاشاعات والتهديدات والفزاعات لا تكشف كراهية الفرقاء لعودة الرئيس لشخصه او استهانة بشأنه? بقدر ما كشفت عن اعترافهم بقوته من جهة? ومن جهة ثانية خوفهم من ثأر محتمل لرئيس مغدور به ستدفعه عودته لتصفية الحسابات مع الخصوم.

غير أن كل المؤشرات والرسائل التي تعمد الرئيس ايصالها إلى فرقاء الداخل قبل أنصاره? توحي بعكس ذلك تماما? سواء منذ لحظة وقوع الكارثة الرئاسية عندما أمر بوقف فوري للمواجهات? ومنع أي نوع من انتقام- كشرط اساسي لسفره يومها? مرورا برسالته الصوتية الاولى التي لم يوجه فيها اتهاما مباشرا?ٍ لأحد أو يحرض أنصاره? ثم رسالته التلفزيونية الاولى والتي تناسى فيها محنته ومحنة من معه ليدعو فقط الى الحوار وتغليب المصلحة العليا للبلد.. وصولا الى كلمته التاريخية التي تناقلتها الصحف الرسمية مؤخرا?ٍ ولقائه بمساعد الرئيس الامريكي لشئون الارهاب? وانتهاء?ٍ بإيكاله مهمة الحوار والتقارب لنائبه وأمين حزبه المشهود له بالنزاهة والرصيد الوحدوي المشرف? وبالعقلانية التي لا تميل لطرف بقدر ما تحافظ على التوازن وتمنع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com