كتابات

اليمن.. عامان من الإفلاس السعودي

بقلم / محمود عبد الحكيم

بحلول الذكرى الثانية لبداية العدوان السعودي الخليجي على اليمن ينعقد شبه إجماع بين المراقبين ومراكز البحث على فشله الآتي في سياق تراجع كبير للمشروع السعودي الذي اتضحت هشاشته، واستنفذ خياراته جميعا في محاولة تحقيق حزمة من الأهداف أسفرت الوقائع على الأرض عن عدم تحققها ولو نسبيا، ويمكن القول إن تداعيات وآثار التحركات السعودية على اختلافها، وبشكل عام، جاءت في أحيان كثيرة على عكس ما أرادت الإدارة السعودية أصلا (كصعود الدور الإيراني وتقدم موقف الدولة السورية وحزب الله والموقف في اليمن)، وفي أحيان أخرى كانت محض انتشار للعنف والإرهاب والتنظيمات المسلحة في المنطقة وما تلا ذلك من انعكاسات على أوروبا.

بعد عامين من القصف المكثف والمحاولات الساقطة للتدخل البري في اليمن بدا وكأن الأمر منذ البداية لم يكن، في جوهره، سوى عجرفة زائدة لدى الإدارة السعودية وسوء تقدير سياسي، وتحملت المملكة تكلفة وأعباء اقتصادية وسياسية جسيمة في مقابل مكاسب لم تراوح الصفر على المستوى العملي أيضا، وسقوط أخلاقي وسياسي بلغ حد توجيه القصف الجوي إلى صالة عزاء وتجويع الملايين من البشر تحت شعارات هشة لا تصب إلا في مصالحها الخاصة الضيقة، وتحديدا مصالح طبقتها الحاكمة ذات الطبيعة الاُسَرية الصرف، ولو بحرق آلاف من اليمنيين والإلقاء بأطفالهم إلى المجاعة ما لم يقبلوا بتسييد أقلية منهم، تابعة سعوديا ولا تمثل مصالحهم، بالاستعانة بجيوش دول تابعة بدورها تتلقى تمويلات سعودية احتشدت مع المملكة ودول الخليج تحت راية طائفية، ونحو أهداف لن تخدم سوى المملكة وحلفائها الخليجيين، مع وثبة إماراتية كانت استجابة طبيعية لفرصة جيدة لتدعيم دورها الإقليمي المتحالف عضويا مع الغرب، واستولت على ميناء عدن بالتحالف مع قوات هادي الرئيس المنتهية ولايته وموظفيه لتضمها إلى باقة موانيها التي تديرها “مجموعة موانيء دبي العالمية”، وستحاول تشغيلها تجاريا لصالحها من أجل ربح المزيد من مليارات الدولارات بعد أن احتلتها بالقوة العسكرية وحوّلتها إلى قاعدة تابعة لجيشها بالتنسيق مع جنود الرئيس المخلوع، وغابت كل الأصوات “الإنسانية” غربية وعربية عن التعليق أو المناشدة بخصوص الإنسان اليمني متفرغةً لرفض القضاء على الإرهابيين في حلب والموصل وغيرهما.

استهدف العدوان تحقيق حزمة من الأهداف أو أحدها – في الحد الأدنى – والبناء عليه، وكان الإطار العام للأهداف كما يلي :

1 – إسقاط النظام السياسي الجديد في اليمن، وإجبار القوى السياسية والقوى الحية للمجتمع اليمني على الخضوع للسياسات والإملاءات السعودية، وإعادة التبعية والارتهان للحكم السعودي بتسليم السلطة هناك للقوى التابعة له.

2 – إسقاط الدولة اليمنية بهيكلها الرئيسي وجيشها وما تضمه من مؤسسات وهيئات إدارية حاكمة وبُنى تحتية، ومن ثم إما السيطرة عليها مباشرةً ووضعها تحت شكل من أشكال الانتداب السعودي الكامل، أو تقسيمها مع ضمان السيطرة على قسم منها بتنصيب قوى تابعة ووكيلة له حاكمةً لها.

3 – احتجاز المد الشعبي المعادي للسياسات السعودية داخل اليمن وكبحه، وإقامة فكرة جماعية لدى الشعب اليمني مفادها أن رهن قرار البلاد للحكم السعودي هو ما يجلب الحياة والاستقرار وما غير ذلك هو الدمار والحصار والجوع.

بعد 700 يوم من القصف الكثيف بآلاف الطلعات الجوية، ومع احتشاد ملايين من اليمنيين في ميدان السبعين في صنعاء في ذكرى بداية العدوان مؤكدين على خياراتهم السياسية واتجاههم المستقل، يشهد الواقع سقوطا مدوّيا للسياقين الأول والثالث من الأهداف، فالشعب اليمني شكّل من خلال ممثليه الجدد والقدامى مجلسا سياسيا أعلى، تولى رأس السلطة في يوليو الماضي وأعاد عمل مجلس النواب اليمني الشرعي والعمل بالدستور وشكّل حكومة إنقاذ وطني، بينما ارتفعت صرخات العميل اللاجيء للرياض نازعا الشرعية بلسانه عن طيف كامل من الشعب اليمني تم تمثيله في المجلسين.

جاء المجلس السياسي الأعلى معبرا عن رفض عملي فاعل من الأغلبية الساحقة من اليمنيين للسياسات السعودية وأتباعها في الداخل اليمني، وبالتضاد مع الهدف السعودي يتجه اليمنيون يوما بعد يوم (وتشهد على ذلك ملايين المتظاهرين في ميدان السبعين) نحو النزوع للاستقلال وحرية تحديد المصير، غير عابئين حتى بالتهويل العالمي بخصوص “شرعية المجتمع الدولي” التي حُرِم منها مجلسهم القيادي الأعلى وحكومتهم وأعطيت لرئيس لا تستطيع حكومته الاجتماع داخل اليمن أصلا، ولا بالصواريخ والقنابل الأمريكية التي تُلقى على رؤوسهم تحت شعار مضحك مبكي هو مصلحتهم العامة ومصلحة دولتهم.

بتوالي القصف والمجازر الإجرامية ازداد النظام السياسي في اليمن قوةً وازداد عموم اليمنيين تماسكا على المستوى الوطني الملموس وتمسكا بخياراتهم، معلنين فشل محاولات إسقاط نظامهم وإخضاعهم ورهن قرارهم السياسي .

بخصوص السياق الثالث قد يكون التحالف، المتنكّر تحت قشرة طائفية “سنّية” ليخفي مصالح ملوك وأمراء النفط ومن ورائهم المستعمر الأمريكي والغربي، قد قطع شوطا في تدمير قطاع من البنى التحتية للدولة اليمنية باستهدافه لها ودعمه لمقاتلي تنظيم القاعدة العاملين في سيناريو تقسيم اليمن وتقويته لشوكتهم، إلا أن صمود الشعب اليمني نجح بشكل كبير في تعويض ذلك اعتمادا على حالة “وطنية” فعلية جامعة استطاعت تجاوز ضعف وانعدام الإمكانات على اختلافها، والارتكاز على الجيش ومعه ما تبقى من هيكل للدولة وبنى تحتية وقطاعات جغرافية لا تزال تحت سيطرة قواه الشعبية والدولتية، في صراع من أجل الحياة والاستقلال وفي اتجاه سيكون صعبا بالتأكيد وحافلا بتحديات عظمى ومعقدة نحو الحفاظ بقدر المستطاع على قطاع موّحد من اليمن، وقد يتجه فيما بعد على المدى الطويل نحو توحيد للأراضي اليمنية في ظل ضعف وفشل متزايدين للمشروع السعودي الأمريكي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com