كتابات

إنسانية الحكام ومحدودية الفكر الإعلامي

– رن تلفوني المحمول ذات مساء فنظرت إلية فوجدت أحد الزملاء المصريين يخاطبني بقوله أفتح القناة المصرية وأنظر ما يبث فيها وبالفعل فتحتها فوجدت رئيس وزرائهم الجديد يتناول الغداء مع بدو سيناء مفترشين الأرض فقلت له نعم وماذا في ذلك فقال لي أنظر التواضع في هذا الرجل فما كان مني إلا أن قلت له لأطيب نفسه (ما شاء الله ) ثم استمر في الحديث وقال لي تصدق يا أخي أنه أصر بل ألح أن يسدد قيمة مخالفة مرور لأحد أبناءة , وقال لي ها قد بدأت ثمار الثورة تتساقط علينا!!! فأستمريت بترديد عبارة (ما شاء الله ) ثم أغلقت تلفوني وتلفزيوني وأكملت مشاغلي الحياتية , وما زاد الأمر غرابة عندما رأيت تزاحم رسائل عددا على بوابة إيميلي الخاص برسائل عديدة من هنا وهناك تشيد برئيس الوزراء المصري الحالي وتظهره وهو يتقمص دور البطل الشعبي المتواضع والذي خفض جناحه لبدو سيناء وجلس معهم ومما زاد الأمر غرابة أن وسائل الأعلام التي كانت متواجدة في الحدث لأكثر من البدو أنفسهم وتزاحمهم على السبق الصحفي ومحاولتهم لأخذ تصريح صحفي منه أذهلني وبشكل أكبر ,ثم فتحت تلفزيوني وعملت لمحة سريعة على قناتنا اليمنية الموقرة فوجدتها تظهر رئيس الدولة في مظهر الأب الرحيم والذي يتعاطف مع الأيتام ومقاطع تبين رحمته بهم ورجال الأعلام يتسابقون في تصويره وكتابة كلمات المدح والثناء عليه وكأن الأمر تفضلا منه على هذه الشريحة وأيضا يظهروه وهو يزور المريض ويجلس مع الشيوخ على الأرض وكأن الأمر معجزة ولا يقوم بهذا الأمر إلا بطل قومي فأغلقت جهازي تماما إلى أمد غير قصير لعلمي التام إني لو أعمل جولة على بقية القنوات العربية فسأجد كل قناة تغني على ليلاها وفوق رأس زعيمها تدندن له وتمجده وتصفه بما لم يقم به الأوائل , ففي وقت أن الأعلام يشتغل شغل محترم في هذا الجانب نجد أن الشعوب المسكينة المغلوبة على أمرها وبكل طيبة وسذاجة تتناقل هذه الأحداث وتفتخر بمن يقوم بها ولسان حالهم (نحن في حلم أو في علم كيف يعقل أن نجد مثل هؤلاء يقومون بهذه الأعمال الجبارة !!!) ولأن هذه الشعوب بسيطة وضعيفة فكريا متناسيه تاريخها العظيم ودينها الأعظم فقد نست كيف دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بيت المقدس فاتحا وهو يقود بغلته وعليها غلامه والسبب عدله اللامنقطع النظير من خلال مداولته مع غلامه في الراحة على البغلة وقيادتها, متناسين سبب المقولة الشهيرة (حكمت فعدلت فأمنت فنمت ) عندما زاره ذات يوم رسول من الروم فوجده نائما وحيدا تحت الشجرة في الفضاء الرحب مفترشا التراب وملتحفا الهواء وغصون الشجر من فوقه فقال ما قاله,ولأن طول الأمد ونحن نعيش في حياة انهزامية وإنكسارية وتقديسية لحكامنا فقد أنذهلنا بهذا الأمر وغيره من أمور دنيوية بل أن الأمر تعدى ذلك من خلال تعاطي وسائل الأعلام مع هذه الأمور لأنها تعلم أن الشعوب عاطفية بل عمياء تتأثر بما يبث من إنسانية ورحمة الحكام وتعتبر كل هذا منجزات رهيبة وتفضل منهم على البلاد والعباد,ونجد معظم هذه الأعمال الإنسانية الاجتماعية تكثر كلما أقترب موعد الانتخابات من الزعماء وممن يبحث عن تمثيل الشعب في مجالس الأمة هنا وهناك ثم ما يلبثوا إلا أن يتلاشوا عن الأنظار وكما يقال في المثل المصري ( فص ملح وذاب ) ,فالسابقون الأوائل من الحكام يبحثون عن إرضاء الله وكسب ما عنده واللاحقون يبحثون عن إرضاء الناس وكسب تأييدهم في الانتخابات أو شتى مجالات الحياة والأعلام الحالي يشد العزم على تقصي ما ندر من أعمال الزعماء الخيرية والبسيطة والمتواضع منها ويبدءون في النفخ فيها وتكبيرها وتضخيمها وكأن هذه الأعمال بدعا من البدع لا يقوم بها إلا الفرسان الأشداء وأمل الأمم ومن بيدهم تخليصها وانتشالها من حظيرة الانحطاط الدنيوي , فبالله عليكم يا زعماءنا ألا تستحوا من أنفسكم وأنتم تظهرون بجانب المساكين والأيتام والبسطاء والفقراء وتصدروا أوامركم للإعلام لكي يلتقط الصور لتنشروها ليقال عنكم (ما أرحمه وما أطيبة ويا له من إنسان رحيم وياله من زعيم إنسان وغير ذلك من كلمات المديح ), أليس الجلوس مع أناس أنت حاكمهم فرضا عليك ورغما عن أنفك وليس تفضلا وكرما منك!!! أليس التعامل مع الأيتام ومحاولة دعمهم نفسيا وماديا أمانة من الأمانات التي أأتمنك عليها الشعب وابتلاك بها الله !!! أليس مشاركة هؤلاء أفراحهم وأحزانهم وهمومهم ومشاكلهم هي في الأساس مخ عملك !!! فلماذا إذا نجدكم ونجد إعلامكم يظهر كل هذا وكأنها تضاهي ما قام به الفاروق رضي الله عنه أم أن الأمر يتعدى في هذا بحثكم عن مكان لكم بجانب هؤلاء العظماء في الإنسانية والرحمة والتواضع وخفض الجناح , ويا ترى لو كان عمر في وقتنا الحالي ونام تحت الشجرة آمنا مطمئنا أليس بهذا العمل سيهز بها عروش الشرق والغرب من أعداء الأمة , فرسالتي إلى الزعماء الحاليين والقادمين أن لا تبحثوا عن الشهرة من خلال أعمال هي في الأساس واجبات عليكم وفروض يومية يجب عليكم القيام بها وإلا فقد خنتم الأمانة ورسالة إلى إعلامكم أن يترك ( الفر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com