كتابات

مشاهد من الشرعية التي تُريدها السعودية لليمن..

بقلم / عبدالكريم المدي :

نجحت عاصفة السعودية ،في إيجاد شرخ اجتماعي حقيقي في اليمن ،وهذا الشرخ حصل ويحصل، بكل أسف،في ظل صمت يختم أفواه العالم وفي مقدمتهم المعنيون والمتسببون به، رغم تأثيره البالغ على وحدة المجتمع ،وحق عدد كبير من أبنائه في الحركة والملكية وصون الكرامة الإنسانية .
وما يبعث على السخرية حقا،هو ترديد معظم مسؤليّ حكومة هادي ومؤيديها ومعهم قيادة وإعلام ما يسمّى بـ (التحالف العربي )،عبارات من قبيل : (إن حكومة الشرعية التي تتخذ من مدينة عدن عاصمة مؤقة لها،ترعى مصالح جميع اليمنيين..ومن أبرزخيراتها ومنجزاتها فتح حركة الملاحة الجوية لهم في ثلاثة مطارات هي عدن- سيؤن – الريان ).ومن أراد السفر بإمكانه القيام بذلك عبرها..لكن يظل الكلام شيء والواقع شيء آخر،فالحقيقة تقول إن (80%) من المواطنيين اليمنيين تقريبا يتركّز تواجدهم أصلا، في المحافظات الشمالية وهوءلاء لايستطيعون ،بل لم يعد يفكرون حتى مجرد التفكير بالمرور عبر تلك المطارات أوالتنقل في المدن الجنوبية بمن فيهم مؤيدو هادي و(العاصفة) التي تتواجد قواتها في الجنوب وتُدير جميع المطارات والموانىء الموجودة فيه.
بالله عليكم هل هناك ماهو أبشع وأسوأ من أن تُمنع أو تتأخر عن الإقلاع لساعات طويلة إحدى طائرات الخطوط الجوية اليمنية المتجهة من أحد مطارات المنطقة أوغيرها، بسبب وجود مواطنيين يمنيين ينتمون للمحافظات الشمالية على متن هذه الرحلة أو تلك؟
وهل هناك أسوأ من أن يقوم فنان يمني معروف ،ينتمي لمنطقة جنوبية بالصعود إلى متن طائرة متجهة إلى مطار عدن ويأخذ بالتحديق ُفي وجوه وملابس وأشكال رُكّابها ، رجالا ونساء، ومن شكّ فيه طلب جواز سفره ، فإن كانت بيانته تُفيدُ بأنه ينتمي لإحدى المحافظات الشمالية أو مولود فيها يقوم بإهانته واخراجه من الطائرة بصورة مُذلّة ، مع سيل من اللعنات والشتائم؟
وهذه راكبة ،أوبالأصح دبلوماسية يمنية حكت لي مؤخرا عن تجربة عاشتها في رحلتها من كوالالمبور إلى دبي وعدن،وقد نقلت لي بعض مشاهدها المؤلمة،قائلة : صعد إلى الطائرة الفنان ….!(صاحب الشعر الطويل ) وصدمني جدا بأفعاله، كان يفتّش الركاب واحدا واحدا ويحقّق معهم من مقعد إلى آخر، باحثا عن أي شخص ينتمي إلى المحافظات الشمالية،وبالفعل وجد عددا لابأس به من الضحايا،الذين كان من ضمنهم نساء وأطفال ،حيثُ كان يقوم بأخذهم وإنزالهم من داخل الطائرة.
وتضيف : لقد صعقني ، والحمد لله أنه لم يشكّ في هويتي ويسألني ،ولو عرف أنني أنتمي إلى محافظة تعز لكنتُ ضمن الذين تم رميهم بالخارج مع كم من المفردات المعيبة التي أخجل عن ذِكرها لك؟
المهم الشرعية التي تُريدها السعودية وتحالفها،يبدو أنها صارت تتكلم عن نفسها ، وتقول: إن سلطات عدن وغيرها لا تحمي المواطنيين ولا حقوقهم ولا آدميتهم ، وتقول : إن أكثر من مليون موظّف في الشمال وعشرات الآلاف في الجنوب لم يتقاضوا رواتبهم منذُ عِدّة أشهر.
وتقول : إن الجنوب تحول إلى مزراع ومعسكرات واسعة للجماعات الإرهابية وقُطّاع الطرق وأمراء الحروب والفوضى ودعاة المناطقية والعنصرية وبرعاية رسمية من التحالف السعودي.
وتقول : إن اليمن غدا مقبرة وسجن كبيرين ، مستشفياته تعمل بأقل من (30%) من طاقتها التي كانت تعمل بها قبل (26 مارس 2015).
وتقول : إن المجاعة تضرب في كل مكان ، وإن ثلثا سكان البلاد حُرِموا من الرعاية الصحية، ومليونان ومئتا ألف طفل يعانون من سوء التغذية ومهددون بالموت خلال العام 2017، وإن نصف مليون طفل آخرين – أيضا – يعانون – من سوء التغذية الحاد.
وتقول: إن (14) مليون إنسان بحاجة ماسة لمساعدات إنسانية.
وأمام كل هذا علينا أن نتحدث بشفافية وبما تقبله عقول الناس وليس بما يتحدى أذهانهم ..ودعونا من الشعارات التي لم تعد تنطلي على أحد ، وابحثوا عن آلية جديدة لإنهاء معاناة هذا الشعب، بعيدا عن مفردة (المرجعيات) والحسابات الإقليمية والدولية التي تُشرعن منذُ عامين لقتل(30) مليون إنسانا لا ذنب لهم إلا أنهم يمنيون، جل ما يطالبون به هو شيئ من الحرية ، وحق السيادة والبحث لهم عن حل خارج تلك المصطلحات والحسابات، فقط كفوا عنه حربكم وحصاركم ، وصمتكم القاتل، وانظروا كيف تعيدون لهوءلاء الناس مواطنة حاضنة للجميع ،وتعاييشا يستوعبهم ويستوعب تنوعهم.
لقد جعلتهم هذه الأحداث يشكُّون في كل شيء ويتساءلون :لماذا لم يعد يؤثر في هذا العالم صور الجوعى والمشردين والقتلى والمذبوحين بمختلف أدوات القتل الفردية والجماعية ،السريعة والبطيئة ؟
لماذا لم تعد تؤثرالقضايا والمواضيع الإنسانية التي يشاهدها العالم كل يوم في هذا البلد ، ولماذ ا يستمتع الجميع ويسمحون بحدوث وإستمرار هذه الكوارث والتحولات السلبية الفاجعية في بلد كاليمن ؟
وكم سنظل كأمة وكشعوب وكقوى سياسية وجماعات متصارعة، نعيش بدون هدف وبدون قدوة وقدرة وبرامج ، بدون وعي ومستقبل ورؤى وأفكارمواكبة للتحولات التي حصلت وتحصل في العالم ؟
كم سنظل في قعر أي مفاوضات تخصُّنا قبل غيرنا ،ننتظر الآخر كي يقرر مصيرنا وما يراه هو لنا وليس ما نراه نحن لأنفسنا ؟
إلى متى سنظل نسقط كل يوم سقوطا جماعيا تحت حوافر الواقع المرير والتاريخ الذي لا يرحم ؟
انهوا الحرب الدائرة في هذا البلد والعداون الذي يُشنُّ عليه، ارفعوا الحصار الذي خنق الناس وقتلهم، والذي أتُّخِذ بقرار مزاجي أحادي، من قِبل السعودية ويا ليت وكان صادراعن الأمم المتحدة، التي أكتفت بالتفرجة والتعبير عن القلق طوال هذه الأشهر.
خلاصة الكلام : لقد أتت هذه العاصفة على كل شيء، وكم هي المرّات التي ناشدنا من خلالها ، وقُلنا : يا عالم، وكحدّ أدنى، ارفعوا الحظر عن الموانىء ،وعلى رأسها مطار صنعاء الدولي كي يستطيع أبناء المحافظات الشمالية، خاصة الطلاب والجرحى والمرضى ، وغيرهم من السفر،واستكمال تعليمهم ومداواة جراحاتهم والعلل التي جلبها لهم عدوانكم وحصاركم وصمتكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com