كتابات

النظام السعود وجرائم الحرب والإبادة في اليمن…!

بقلم / مصطفى قطبي
الشعب اليمني يباد بنيران الوهابية السعودية وحلفائها تحت طائلة بند ما يوصف بعودة الشرعية…، مقدمين للعالم بأسره صورة منقوصة ومجحفة، بل ومناقضة للحقيقة ليس لعدم تكافؤ الطرفين المتواجهين (النظام السعودي المعتدي والشعب اليمني المعتدى عليه) فحسب، بل وإسقاط حق الشعب اليمني في دفع العدوان والظلم عن نفسه وأرضه، وكذلك مساواة رد فعل الجيش اليمني العقائدي واللجان الشعبية والحوثيين…، بالفعل الإجرامي الوهابي الذي لا يمكن أن يصل إليه رد فعل اللجان الشعبية ورجال القبائل والحوثيين، في البشاعة والخسة والنذالة، هذا إذا كان الاتفاق لا يزال معقوداً على أن مقاومة العدوان حق مشروع يمنحه ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
إن العدوان السعودي متواصل حتى ساعة كتابة هذه السطور، بينما باتت الجهود الحثيثة في الكويت والرامية لوقف إبادة الشعب اليمني، دون نتيجة حتى الآن على ضوء غزارة الدم اليمني النازف، ووحشية النظام السعودي، التي لم توفر المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن. فقد وثقت منظمات عديدة، محلية ودولية، ما حصل وجرى، حصاد عام والأخبار مستمرة. منظمات لا تشوبها شائبة ولا تنكر معلوماتها. جرائم حرب وإبادة تركت آثارا كارثية على مدى عام كامل حصد مع الحصار البري والبحري والجوي ومنع الغذاء والدواء والوقود ما لا يمكن الصمت عليه أو إخفاء الرأس والهروب من حساباته ومحاسبته، اليوم وغداً وحتى بعد غد.
كل هذا مثبت وبدليل عطل الحياة اليومية وجعل المناشدات الدولية ضرورية لإنصاف السكان القابعين تحت هذه المذبحة المعلنة. فوفقاً لتقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن الوضع أصبح كارثياً في اليمن حيث تعانى العاصمة صنعاء والمدن الأخرى من انقطاع التيار الكهربائي وشح في مياه الشرب، وطلبت 1.6 مليار دولار كمساعدات لليمن خلال العام. ويقدر عدد اليمنيين الذين بحاجة إلى مساعدات إنسانية وفقا لتقارير الأمم المتحدة إلى 21.2 مليون نسمة، من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة، وبلغ عدد السكان المحتاجين للمساعدة الإنسانية 80 في المائة من إجمالي سكان اليمن. ولابد من الإشارة إلى ظروف الحرب وصعوبة التنقل والتواصل جعل حتى تلك الأرقام أقل بكثير من الواقع، حسبما نشر موقع حصاد اليوم اليمني.
وبالطبع، فإن عمليات الصمود والرد للجيش اليمنى واللجان الشعبية على تحالف آل سعود، تأتي في سياق الرد المنطقي على جرائم العدوان الهمجي، وقصف سلاحه الجوي لمناطق مختلفة في اليمن، عبر استهداف المستشفيات والمدارس والمصانع والطرق والجسور والسدود… فإضافة إلى القصف المتواصل للبنى التحتية المدنية ولمؤسسات الدولة والذي أودى بحياة آلاف الضحايا والذين معظمهم من المدنيين، فإن أحد الإجراءات المفروضة على اليمنيين منذ 26 آذار الماضي من العام المنقضي هو الحصار الجوي والبحري بإشراف الرياض والذي يعيد إلى الأذهان الحصار الجوي البحري المماثل الذي تقوم به إسرائيل ضد 1.8 مليون فلسطيني على قطاع غزة منذ عام 2007 إلى جانب أساليب التعذيب والإجرام السعودي ضد اليمنيين.‏
في هذا المناخ تموج في اليمن، وفيه تموج ساحات جماهيرية عربية بالغضب والاحتجاج، منادية بموقف وتدخل ومناصرة وحتى بوقف للعدوان على اليمن! وفي هذا المناخ أيضاً يستمر تأييد الغرب الإمبريالي للعدوان الصهيوني على اليمن ويتنامى، مرسخاً توجهات وسياسات وشروراً وفجوراً تبديه قيادات غربية على الخصوص. وفي هذا السياق فقد أقر تحالف آل سعود بمشاركة أميركا وبريطانيا في الحرب التي تستهدف الشعب اليمني، وقال المتحدث باسم التحالف العميد أحمد عسيري: إنّ خبراء عسكريين أميركيين وبريطانيين يقدّمون النصح لقوات التحالف بشأن كيفية تحسين عمليات القصف الجوي، مضيفاً: إن الخبراء يعكفون على إعداد تقارير موسعة وتحسين آليات العمليات، مشيراً إلى أنهم عقدوا ورشة عمل خلال الأيام القليلة الماضية في مقر تحالف العدوان.
وفي إطار سياسات هيمنة القوة وغطرسة السياسة، تعمل الولايات المتحدة على إحكام السيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي تعبره ثلث تجارة العالم ونصف نفطه، وازداد اهتمامها بالمدخل مع قيام إسرائيل على الطرف الشمالي بذريعة الحفاظ على أمنها المزعوم، فعملت منذ عقود على رسم سياسات خاصة تخدم هذه الغاية في الدول الواقعة على بحر العرب ومدخل باب المندب. ففي اليمن حرصت دائماً أمريكا ومشغلتها (إسرائيل) على استمرار الحروب الأهلية والقبلية والطائفية، فتارة تدعم فريقاً ضد آخر، وتارة تسلح وتشجع كل الفرق المتناحرة ضد بعضها. وفي مطلع الستينيات أججت الحرب في اليمن لإفشال الجهود المصرية لإقامة دولة يمنية قوية، تستطيع أن تتحكم بباب المندب وتؤثر في حركة الملاحة فيه، وتحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية تتحكم مصر بمدخليها الشمالي والجنوبي، وهذا ما أقلق إسرائيل ودفع أمريكا لوضع استراتيجيات طويلة المدى تهدف لإبقاء باب المندب تحت السيطرة الأمريكية لاستمالة الدول المتحكمة بالمدخل أو الهيمنة عليها والتحكم بسياساتها عبر حكومات تفرضها بنفسها. وكان في صلب الاستراتيجية الأمريكية ألا تكون هناك دولة قوية في جنوب البحر الأحمر، فحتى أثيوبيا القريبة من الغرب وإسرائيل لم يسمح لها بزيادة قوتها وهيمنتها في شرق أفريقيا، وذلك بسبب الخوف من الانقلابات العسكرية والسياسية التي قد تحصل فيها، وتأتي بقيادات معادية للسياسات الأمريكية والإسرائيلية في جنوب البحر الأحمر.
فالذين يدعون غيرتهم على العروبة وانتسابهم إليها ينفذون اليوم أجندة صهيونية أمريكية غربية عدوانية ضد عروبتهم عبر قيامهم بإضعاف وتفتيت بلد عربي وتدمير جيشه وعتاده وسلاحه وتخريب مؤسساته وبنيته التحتية وما يعنيه ذلك من إضرار بالأمن القومي العربي والعلاقات العربية العربية..؟! ‏فمع بداية القصف الجوي السعودي بمشاركة بعض الحلفاء على صنعاء وعدن قبل أيام، لوحظ أن وسائل الإعلام الإسرائيلية بدأت تتطرق في تحليلات كتابها وبعض المسؤولين إلى البوابة الاستراتيجية التي ستفتحها حرب السعودية على اليمن، تحت شعار حماية ممرات البحر الأحمر، فإسرائيل تعتبر نفسها جزءاً من دول البحر الأحمر وأي مسألة تتعلق بإحدى دول البحر الأحمر أي اليمن في هذه الظروف ستصبح على جدول عملها المباشر رغم وجود القاعدة العسكرية البحرية والجوية الإسرائيلية في أرتيريا. وهذا ما فتح شهية نتنياهو لوضع موضوع الحرب على اليمن نافذة في جدول عمله من أجل المشاركة في عضوية رسمية علنية لأي إطار يراد تأسيسه باسم دول البحر الأحمر وحمايته من مزاعم (الخطر الإيراني) وسيطرة (أنصار الله) على اليمن…

ويجد نتنياهو أن القاعدة التي ستستند إليها إسرائيل في المطالبة بتشكيل إطار كهذا، هي وجود دول عربية وقعت مع إسرائيل على اتفاقات سلام هي الأردن ومصر ودولة أرتيريا، التي تتمتع معها إسرائيل بعلاقات عسكرية وسياسية متينة، كما يجد أن جيبوتي لن تشكل عقبة هي والسعودية والسودان في قبول إسرائيل ما دامت إسرائيل تضمن (4) دول من (8) دول تقع على البحر الأحمر للموافقة على عضويتها… ويقول سكرتير الحكومة الإسرائيلية إن البحر الأحمر لا توجد على سواحله دول عربية فقط بل هناك أرتيريا (غير العربية) وهناك (إسرائيل) أيضاً وكذلك لا يمكن إنشاء أي إطار يجمع هذه الدول إلا إذا شملت عضويته إسرائيل التي تعتبر أمنها في البحر الأحمر هدفاً إستراتيجياً…

ومع وجود الولايات المتحدة العسكري في أرتيريا ـ ودول أخرى من دول البحر الأحمر ترى إسرائيل أن الحرب السعودية ضد اليمن ستدشن بنظرها أول تحالف عربي ـ إسرائيلي علني في الشرق الأوسط، ولذلك تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى إطالة الحرب السعودية ـ الأميركية على اليمن لفترة يجري خلالها تدشين هذا التحالف باسم (دول البحر الأحمر) رغم أن القاعدة الإسرائيلية في أرتيريا هي التي تهدد مصر والسعودية والسودان والأردن في البحر الأحمر ومن باب المندب وليس اليمن… فإسرائيل شنت غارات جوية على السودان منذ عام (2009) وفي عام (2012) وعام (2014) بحجة دعمه ”للإرهاب” ولم تتحرك أي دولة من دول البحر الأحمر لإيقاف إسرائيل عن هذا العدوان، وتتطلع إسرائيل الآن إلى فرض تحالف جديد للهيمنة على باب المندب وعلى ممرات البحر الأحمر حتى إيلات لأن الحرب السعودية الأميركية على اليمن وضعت المنطقة كلها أمام تحديات وأخطار توسع المشروع الصهيوني في تفتيت الدول العربية من دون استثناء.
المأساة التي تصنعها حرب الإبادة الجارية في اليمن التي يتزعمها بنو سعود، لا تكشف فقط عن وجه قبيح لعدوان وحشي تتلبسه رغبات هستيرية في القتل والتدمير، ولكنها تكشف أيضاً عن جانب لا يقل بشاعة هو وجود هذا الحشد الكبير من أصحاب الضمائر الميتة والنفوس الخربة. هؤلاء سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين أو غيرهم شركاء في الجريمة بالتأييد أو التبرير أو التحريض أو التضليل أو حتى بالصمت. هذا هو الوجه القبيح للمأساة، غير أنه في أحلك لحظات الألم والمعاناة تظل هناك نقطة ضوء تبعث الأمل في النفوس التي أضناها الظلم وأنهكتها عذابات شعب يتمسك بحقه في أن يحتفظ بهويته وأن يكون له وطن مستقل وحر، لا يأتمر بأوامر السعودية أو غيرها من الكيانات الوظيفية. وإذا كان الشيء يالشيء يذكر، فإنّ الأمم المتحدة فقدت كل شرعيتها وفشلت مرة جديدة في مهمتها كحامية للقانون الدولي وللسلم العالمي ولم يعد وجودها مبرراً مثلما حل بعصبة الأمم التي ذهبت إلى مزبلة التاريخ من أجل السبب ذاته. فهي بقرار مجلس أمنها تقود اليمنيين إلى الموت إما جوعاً أو تحت تأثير قصف دول التحالف السعودي.‏
فمشيخات الخليج وإمارات الكروش والملتحقون بهم ممن يدعون خوفهم على مستقبل الشعب اليمني يقومون اليوم بقتل أبنائه بالسلاح الإسرائيلي والأمريكي، وهم الذين يصمتون اليوم عن شراذم التكفير القاعدية التي اجتاحت مناطق من اليمن وبخاصة الجنوب، وتعتدي على أبنائه وتقتلهم بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة في الساحات والمساجد والمستشفيات وتحتل مناطق واسعة في اليمن وتهدد أمنه واستقراره ووحدته..؟! ‏وما يقوم به تنظيم القاعدة الإرهابي من أعمال إجرامية يشبه ما يقوم به آل سعود من تدمير ممنهج لليمن واستهداف الأبرياء في منازلهم وقتل الآلاف منهم بالغارات الجوية، الأمر الذي يؤكد أن إستراتيجية التوحش والقتل هي ما يجمع آل سعود الحاقدين على اليمن، بتنظيم القاعدة الإجرامي التكفيري ليشكلا معاً وجهين لإرهاب واحد وأدوات رخيصة في يد المشروع الصهيو ـ أميركي لتدمير اليمن وتقسيمه.‏

إنّ صمود اليمنيين جعل مملكة ”آل سعود” تصب جام غضبها على الأبرياء، فقررت إبادة مناطق بكاملها لإثبات نظرية نجاح عاصفة الحزم، بإظهار ”الحزم” اتجاه الأطفال والرضع والنساء على حين يهرب جنودهم من المواجهة المباشرة كما حدث ويحدث في عدة مواقع سعودية. إن نجاح عاصفة ”الأمل” بانتهاك حقوق الدول، يجعل الإنسان يفقد أي أمل بأن ”آل سعود” يمكن بعد اليوم التعايش معهم، لأن المجازر والصور التي نشاهدها تدفعنا للقول إننا فعلياً أمام فرصة قد لا تتكرر، فإما أن نكون يوماً ما جميعاً ضحايا لـ”سُعار” هذه الطغمة، وإما أن نتخلص منها ـ ولو بأقل الخسائر. المطلوب الآن المزيد من الصمود ربما لأن هناك من يقول إن الساعات الأخيرة تستلزم تدرجاً في انغماس ”آل سعود” أكثر في اليمن، فالحدود الجنوبية الغربية للمملكة انهارت تماماً…

واد من نار دخلته الرياض، لكن هرولتها لمغادرته من دون خسائر لا يبدو بقرار آل سعود، أكان على وجه السرعة، أم على نية الاستسلام للسلامة، ما يكشف للمملكة أنها أضعف بكثير مما تظن أو تحاول الظهور بغير ذلك، وهي تشك حتى إنها تملك مخرجاً غير الهزيمة. ما تخشاه الرياض يدركه الجيش اليمني الفطين من دون أن يعنيه تحت أي عباءة حماية يستقر آل سعود، اليمن أوصل رسائله بأن رد العدوان يحتاج إلى حزم من التكتيك وضرب المعتدي على أرضه، لكن اليمن يدرك أيضاً أن الرياض جزء من لعبة سياسية، الخاسر فيها مجبر على أن يدفع الكثير ليبقى، وهو ما لم يفهمه آل سعود حتى اللحظة ولا شيء يوحي بأنهم يمتلكون حداً أدنى من الإدراك لفهمه.

وأخيراً وليس آخر، فرهانات آل سعود على صمود آخر أوراقهم المتبقية في اليمن، بدأت تتهاوى مع إصرار اليمنيين على صد العدوان، حيث باتت حالة الهستيريا لا تفارق أصحاب الرؤوس الحامية في أعلى مراكز القرار الوهابي، العاجزة عن التكيف مع التحولات الميدانية والسياسية في المنطقة، والمذعورة من انتشار عدوى التغيير، ولاسيما أن المواقع السعودية العسكرية بدأت تسقط تباعا بيد القبائل اليمنية في نجران وجازان وعسير… ولا مفر من الاعتراف بأن قطاعات عربية عريضة ـ وأغلبها لديه حس وطني وقومي عالٍ ـ وقعت فريسة لشعارات براقة وآلة إعلامية ممنهجة، فضحتها المحرقة المستعرة في اليمن الآن، والتي لا يعلم إلا الله مدى خسائرها، ظنًّا ـ وبحسن نية ـ أن اللئيم قد يجود بمكرمة في لحظة صحوة ضمير، ونسوا أن اللئيم لا تشغله إلا أطماعه وأغراضه الدنيئة، وأن ضميره ثبت موته تاريخياً… ذلك درس لا بد أن نعيه جيداً!
إن الموقف العربي التقليدي لم يعد مقبولاً ولا بأي شكل من الأشكال، فالشعب اليمني المثخن بالآلام والجراح، وهو يودع كل يوم دفعات من شهدائه الأبرار، لن تزيده جرائم نظام آل سعود وحلفائه إلا قوة وصلابة وتماسكاً، ولن تثنيه عن مواصلة دفاعه عن أرضه وعرضه… ومهما بحثوا عن أعذار ومبررات لهذا العدوان الخليجي على اليمن ستظل واهية ووضيعة شأنها شأن مبررات الحرب الإرهابية على سورية والعراق، وشأنها شأن مبررات العدوان الإسرائيلي الدائم ضد الفلسطينيين…
فالشعب اليمني المقاوم الذي واجه ظروفاً كثيرة صعبة في تاريخ كفاحه الوطني، وكان يتجاوز في كل مرة قياداته: لن ييأس ولن يُحبط وسيظل أصيلا يقدم التضحيات في سبيل عزة ومنعة وقوة اليمن الجديد.

 

كاتب مغربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com