كتابات

الشهيد الحي والوطن المقبره

( في 22 اكتوبر 1995 رحل نجم صحافتنا عبد الحبيب سالم مقبل )

– هذه كلمات كتبتها أثناء الأيام الفاجعة في الأسبوع الاول لرحيل الصديق العزيز ولم ار ان اغير .. فلحظة الصدق لا تعوض.. كان موت عبد الحبيب سالم الصديق العزيز والكاتب المتميز مزلزلا وعظيما في نفسي ولا يزال – و الآن لابد من فتح ملفه في ذكرى رحيله رأيت ان استعيد ما كتبت ونشر كجزء من مقدمة كتبتها لكتابه الهام – الديمقراطية كلمة مرة –

———****——–

الآن شعرت بهول الفاجعة ? التفت حولي فأرى كوكبتنا تتناقص ونحن نتساقط واحد بعد الاخر .. ويأتي خريفنا قبل الاوان ..?

ورحل عبد الحبيب فجأة ليزيد وجعي ويضاعف الالم الذي لاينتهي..

اعترف الان ان موته اشعرني بأن طائر الموت يحلق فوق رأسي وبرغم قناعتي بأن لا شيء يستحق الخوف عليه (وهل هذه حياة يخشى مفارقتها ) الا ان موت عبدالحبيب هزني بعنف ? هزني لأنه صديق التعب الذي لاينتهي وزميل العمر الذي يتبدد على أرصفة القهر والمطاردة ولأنه ألمع نجوم جيلنا التي تبدد عتمة الواقع ? وحادي الركب لحفنة المشاغبين الذين ايقنوا ان القبض على جمر جهنم أهون من القبض على قلم يقول الحقيقة ? ومع ذلك امسكوا هذا القلم (اللغم ) .

******************

لو حكيت عن ما هو مشترك ..لانقضت صفحات طوال قبل ان تنتقضي الحكاية لسنوات من العمر الجميل الذي بقى مطاردا بلعنة الوطن ? لكن ما يذهلني في الرحلة القصيرة هذا الاندفاع الذي لازم شخصية عبدالحبيب ? كان أجرأنا ولاجدل في ذلك ? أكثرنا اندفاعا وسرعة وعجلا في المواجهة .. مقداما في كل شيء حتى في موته ورحيله !..

صار زوجا قبل الاوان .. وأبا بشكل مبكر ? وصحفيا لامعا في لحظات الصمت وأشتهر بسنوات قلال .. وقرر ان يكون سياسيا فاختصر الزمن الى سنتين أو ثلاث وصار برلمانيا في انتخاب كاسح .. ثم كان أول من استقال من المجلس المهزلة ثم يرحل هكذا سريعا ضجرا منا ومن الوطن المقبرة

******

برغم اعترافي بأني محاط بإحباط قاتل الا اني بقيت كعادتي أخطط للعمر بنوع من التأني والشعور بفسحة من الزمن وان في العمر متسع.. لكن ما حدث مع عبد الحبيب هز قناعاتي واننا في الوطن المقبرة معرضون للموت فجأة بالسكتة القلبية او القلمية أو الجلطات الغربية .. (وهل نحن احياء حتى نخاف الموت يا عبدالحبيب ) ما أظنني الا مع جثث تتحرك تلوك الحديث عصرا لتقبع مساء تصفق لكل اطلالة للزعماء او فوهات المدافع .. هذا هو الشعب الابي الذي ما انفك الاعلام الرسمي يصفه بالآباء والشمم ورفض الظلم .. ونحن في الحقيقة ( شعب يرحم الله ) !

والوطن بكل جيوشه وقبائله الشجاعة لم يتسع لصوت مشاغب واحد يجهر بالحقيقة مثل عبدالحبيب ? انه وطن لا مكان فيه للموهوبين والأتقياء ولا يطيق صراخ المحتجين ولا يحب الغاضبين من الاولاد انه يريد قطيعا من القوم ألمطأطئي الرؤوس القابعين تحت اقدام الخطيب المفوه يسمعون تقريعه ويندهشون لاتساع عنقه وانتفاخ كرشه ? ولايريد مصلين من الاعراب يقاطعون الخطيب يسالونه عن اكوام ذهبه ورصيده الذي لايحصى وليس فقط ( عن قميصه الجديد) .. ويسألونه : لم يجب ان نتبرع لأفغانستان ومدينتنا لاماء فيها ولا حياة ?!!

هذا الوطن بكل اتساعه لم يتسع لصوت وقلم مثل عبد الحبيب .

********

ها هو الوطن يكمل على سنوات شبابنا وهو ليس كما حلمنا به ? الوباء يحصد الناس ? وقيل : هو يحصد الزوائد منا فقط . وقال الذي في قلبه مرض : هؤلاء موعدهم الجنة? وفي الجنة (ماء غزير) لا كمدينتكم الجدباء ? ومدننا هي قرى منهكة .. عطشى مظلمة .. ولا طرق حتى للحمير

والناس يا عبد الحبيب من هذا الجيل الذي حاصره التعب .. حين كان الزمن حربا ولدنا وكبرنا مع الحرب التي لاتنتهي والشعارات التي لاتنفذ ? مع الثورة ضد المرتزقة ? مع الجمهورية ضد الملكية ? وبقينا لانعرف طعم النوم خشية ان (ينط الامام ) ويهجم ويحكم البلاد ? ونام الامام واتباعه وبقينا للسهر والحمى نتداعى وحدنا في وطن معمد بالدم .

جيل التعب هذا يخلق الواحد منا فيجر من يديه ? وتخبط القابلة كفية ببعضهما لتعلمه التصفيق منذ الوهلة الاولى ومن تمرد على التصفيق (تقصف يده)

واخترنا التمرد ? وكنت أنت الناطق الرسمي باسم جيلنا الذي يكره التصفيق ويتمرد على القابلة والقائد .. ويتمرد على النوم باكرا والسير في ركب كتاب (والله من وراء القصد )وفرقة المزامير الشعبية المسماة ادبا (بافتتاحيات الصحف الرسمية)..!

لانك رفضت الصمت في مقيل ( النقاشات) وخرجت تصرخ بالناس لم يطقك المخزنون واصحاب الحشوش ولم يستسغ صراخك الذين الفوا الصمت وحمد السلطان على الجوع والقهر لذا بقيت في منطقة المنبوذ الموجهة اليه اصبع الاتهام.

ولم تأبه بهم جميعا وانطلقت قبل الجميع كالشهب تسبقنا كالعادة الى المجد والناس والشهادة !!

الان فقط اعترف لك انه رغم المناكفات التي لا تنتهي بيننا كنت اتمترس بك وعندما تشتد وطأة الخوف وأراني محاصرا برجال يطاردونني في كل لحظة وينظرون الى ساعاتهم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com