كتابات

تحدى الأخلاق

الحمد لله

لكل عصر تحد?ُ.. وتحدى هذا العصر هو المحافظة على الأخلاق.

قالها شيخنا الإمام عبدالله بن بية وقد صدق..

وهذا التحدى هو جوهر إشكالات المنطقة اليوم.. بل ربما أصل إشكالات العالم بأسره.

فالأنظمة التى تبطش بشعوبها مشكلتها أخلاقية..

والاستغلال الاقتصادى الذى يطحن الفقراء والمرضى مشكلته أخلاقية..

والصراع المذهبى والطائفى والدينى واللادينى مشكلته أيضا?ٍ أخلاقية..

وقد تأملت ردود الأفعال على بعض الأحداث فى الأسبوع المنصرم? ومن أبرزها الاعتداء الآثم على بيت من بيوت الله فى مسجد الإيمان بحى المزرعة بدمشق? الذى ذهب ضحيته نحو الخمسين من طلبة العلم أثناء حضورهم درسا?ٍ لتفسير القرآن الكريم مع أستاذهم شيخنا العل?امة الشهيد محمد سعيد بن ملا رمضان البوطى? رحمهم الله جميعا?ٍ..

فى ظل نزاع جب?ار س?ْفكت فيه الدماء وه?ْتكت فيه الح?ْرمات ود?ْمرت فيه المدن والقرى ببيوتها ومساجدها وكنائسها ومستشفياتها..

والعل?امة البوطى قامة عالية فى العلم والفكر تجاوزت مؤلفاته الستين وتجاوز عمره الثمانين..

وقد اختلف معه العشرات من علماء الشام أقرانا?ٍ وتلاميذ حول موقفه من الأحداث التى تدور رحاها اليوم على أرض الشام وذهب ضحيتها ما يزيد على المائة ألف واعت?ْقل ضعفهم وه?ْج?ر أضعافهم..

فقد كان الشيخ يرى أنها حرب تقودها قوى إقليمية وعالمية على أرض بلاده ضمن توازنات المرحلة المقبلة وتستغل فى خوضها تراكم رفض الناس لما تعر?ضوا له من قهر وظلم وأذى عبر عقود مضت? وأن الاستجابة لهذا الاستغلال يحو??ل بلاده إلى أرض معركة للقوى الإقليمية والعالمية و?ِقودها الشعب السورى..

وكان مخالفوه يرون أن المسئولية بالدرجة الأولى تقع على النظام الحاكم الذى واصل البطش والقتل دون وازع من أخلاق أو رادع من دين.. وأنه لولا ذلك لما وجدت تلك القوى فرصة لاستغلال المرحلة..

وصر?ح كبار علماء الشام ممن غادروا البلاد إب?ان الأحداث ووقفوا مع الثورة وأيدوها وارتأوا ضرورة إسقاط النظام بأن اختلافهم مع الشيخ رحمه الله كان خلافا?ٍ على فهم ما يدور من أحداث وطريقة التعامل معها? وأنهم يختلفون مع الشيخ بشدة ومع ذلك شهدوا له بالزهد والورع والتقوى? وأنكروا على من اتهم الشيخ بمداهنة السلطان طمعا?ٍ فى مال أو سلطة ثم استنكروا حادث اغتياله? وكذلك فعلت قيادة المعارضة بل وتبرأت من هذه الجريمة النكراء واعتراف العلماء هذا بفضل الشيخ وورعه يعطينا درسا?ٍ أخلاقيا?ٍ فى الاختلاف نحن أحوج ما نكون إليه اليوم..

الشيخ أنكر على النظام سرا?ٍ وجهرا?ٍ من قبل الثورات وحذره من عواقب تصرفاته.. حتى إن أحد العلماء المؤيدين للثورة اليوم روى لى وقفة الشيخ أمام الأسد الأب فى مؤتمر منقول عبر التلفاز فى مطلع الثمانينيات مطالبا?ٍ إياه بالعدل على مرأى ومسمع من الناس فخفقت قلوب العلماء خوفا?ٍ على الشيخ من بطش النظام..

ولكن المشكلة الأخلاقية تكمن فى فريق آخر كانت بينه وبين الشيخ خصومة فكرية على مدى أربعين سنة مضت? ولم يستطيعوا مجاراة الشيخ فى سعة علمه وقوة حجته ومستوى طرحه حتى جاءت الثورة..

فبدأت عملية غير أخلاقية من تصفية الحسابات والاغتيال المعنوى واستغلال جراح المنكوبين منذ اليوم الأول..

– أخذوا يتهمونه بتأييد الأسد الأب فى أحداث حماة? وقد نفى ذلك بعض كبار القيادات الدينية من التنظيمات الإسلامية التى قادت مواجهة النظام فى أحداث حماة..

– علقوا على بكاء الشيخ أثناء صلاته الجنازة على الأسد الأب واعتبروا ذلك من الموالاة والنفاق? بالرغم من أن الشيخ أجاب من سأله عن سبب هذا البكاء بأن من يرى حاكما?ٍ قويا?ٍ دانت له البلاد م?ْسجى لا يتحرك وقد ذهب جبروته وفنى سلطانه لا بد أن يتأثر من موعظة المشهد.

– اتهموه بأنه أفتى بقتل المتظاهرين السلميين بالرغم من فتواه المعلنة منذ بداية الأحداث على صفحته الإلكترونية التى أجاب فيها عن سؤال جندى سورى عن حكم الشرع فى قتل المتظاهرين فى حال اضطراره إلى ذلك? وتهديد قيادته بقتله إذا لم ي?ْنفذ الأوامر? فكانت إجابته بتحريم قتل المتظاهرين ولو أدى الامتناع إلى تعرض الجندى للقتل.

– اتهموه بأنه أفتى بصحة السجود على صورة الأسد الابن بالرغم من فتواه الم?ْعلنة المصرحة بأن أمر الناس بالسجود لصور الرئيس كفر.. لكنه أوجد مخرجا?ٍ لمن ي?ْجب?ِر بقوة السلاح بأن ينوى السجود لله ويعتبر الصورة بمثابة المفرش أو السجادة? فبتروا عبارته وحرفوها إلى أنه أجاز السجود لصورة الرئيس!

– أفتى بأن النتائج المتوقعة للاستمرار فى التظاهرات ستؤدى إلى سفك الدماء وتخريب البلاد? وعليه فلا يجوز التظاهر سدا?ٍ للذريعة? بالرغم من أن التظاهر فى الأصل مباح وحق مشروع? فحر?فوا كلامه بأنه أفتى بالتحريم الم?ْطلق للتظاهرات.

ناقشت الشيخ رحمه الله حول وجهة نظره واشتد اختلافنا حول نقاط محددة فى الموقف مع فارق السن والعلم والفضل? فلم أسمع منه تجريحا?ٍ ولم أجد منه جفاء ولا طعنا?ٍ فى النيات والمقاصد.. وهذا ما ن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com