اراء وتحليلات

محاولة لفهم ما قد مضى: عن هيكلة الثورة

(……)
مازلت أذكر مجزرة جمعة الكرامة بكثير من الخيبة والعجز? عجز الكائن غير القادر على تغيير شروط الموت أو معرفة الحقيقة التي نختبئ خلفها الآن بلا حياء ونتجاذبها باستسهال كلما تقيحت ذاكرتنا بالحمى? مازلت أذكر بحنين جارف الشهداء: عبد الباسط المشولي وجمال الشرعبي ويفوز الحكيمي وآخرين سقطوا عند لمعة شرارة الموت في سباق ماراثوني لجنون النظام الأعمى? لبشاعة القتل الممنهج من فوق الأسطح والأزقة والبيوت والشوارع المعبأة بالحقد? كنت أدرك أن في هذا العالم أسبابا?ٍ عديدة للحزن وقلة الحيلة? وأنا أفكر في ذكرى مرورهم? كم علي?ِ? أن أحيا لأتخلص من كابوسية تلك المشاهد حتى أمتص هول صدمة الفقد لشباب كانوا أروع منا? وكنا نعرفهم واحدا?ٍ واحدا? وكانوا جديرين بأحلام ثورة بيضاء وحياة مكتملة? لكن كل شيء يتم الاعتياد عليه الآن في التداول السلمي للمجازر والمآسي والنكبات? وأذكر أيضا?ٍ بأني يومها كنت أتابع بحماس” قناة سهيل” وهي تبث آلام المسيح اليمني في طريق الجلجلة ويهوذا على بعد خطوتين منه لكنها بالطبع ليست سهيل الآن? كان هناك معنى جنائزي لتلك الخطب التي تبثها سهيل فتأتي مشحونة بطزاجة الحزن الذي لا ي?ْبلى? وكان هناك معنى نبيل لهشهشات المذيع وهو يبكي محصيا?ٍ شهداء “جمعة الكرامة”? ولم نكن في زمان الثورة الأول قد دخل الشهداء قوائم الأحزاب الضيقة ليتم اقتسامهم كغنائم للتسويق السياسي? لم يكن الشهداء من حزب الإصلاح ولا من الحراك السلمي ولا من الحوثيين ولا من الشباب المستقل? كنا ما نزال نعيش في أرض الصف الواحد ولم نطرد بعد من الجنة? كانوا “هم” على اختلاف مدنهم ومذاهبهم وانتماءاتهم السياسية شهداء الوطن اليمني? شهداء إسقاط النظام بكل رموزه ومكوناته? كانت هناك حميمية المشاعر الثكلى التي تحاول توصيف الجريمة الأولى التي هزت الوطن اليمني والعالم…

(……)
والعالم غير بعيد عنا كان يعيش صدمتنا? ويعي استثنائية هذه المجزرة فما قبل جمعة الكرامة ليس كما بعدها? فهذه المجزرة كانت الضربة الأخيرة في نعش النظام المتهاوي. ضربة لم يحسب تبعاتها? وكانت كفيلة بترحيله “سلميا?ٍ” لولا تدخل الجارة بكل الطرق لتعيد نسج أواصر قوة لنظام أصبح معزولا?ٍ دوليا?ٍ منذ ذلك اليوم? محاولة امتصاص ردود الأفعال الغاضبة للقوى الدولية حتى تمر العاصفة…
لكن العاصفة لم تأت من النظام المرتبك المفلس أخلاقيا?ٍ وسياسيا?ٍ? وإنما هبت من جهة أخرى? ففي الـ 21 من مارس 2011م انضم علي محسن الأحمر إلى الثورة السلمية? ولم يدرك الشباب أن هذه العاصفة ستسحب البساط من تحت أقدامهم وستجعلهم وحيدين مع أوهامهم الثورية? وأنه منذ هذا التاريخ ستدخل الثورة نفقا?ٍ مظلما?ٍ وستخضع لمساومات اللعبة السياسية وانتهاء بقبول المبادرة الخليجية? لأن كل شيء بدأ مع ذلك اليوم البعيد? لكن عيوننا كانت مغمضة من هول المجزرة? وإذا أردنا العودة لذلك اليوم لإعادة تركيب حقائق الثورة وتغيير المسار النهائي الذي وصلت إليه? أليس سنبدأ من هذا التاريخ الفارق? وسنفكر بشكل معكوس: ماذا لو لم ينضم علي محسن إلى الثورة وظل مع علي عبدالله صالح يدافع عنه حتى الرمق الأخير وهو الذي سنده في كل المنعطفات التاريخية الأشد دراماتيكية? أليست الثورة حينها ستكون سلمية أمام المجتمع الدولي الذي لن يضطر لفرض المبادرة الخليجية بالقوة الناعمة? ألسنا كنا سنستطيع الدفاع عن سلمية الثورة وتسويقها داخليا?ٍ لاجتذاب الفئة الصامتة? وخارجيا?ٍ كما فعل المصريون والتونسيون مع ثورتهم?. كانت الأمور ستكون منطقية? كل أركان النظام يحارب الثورة الوليدة التي جاءت لتغيير مراكز القوة الضاربة جذورها في عمق المجتمع اليمني?. ومن ناحية أخرى هل كانت الثورة اليمنية تحتاج لحام?ُ كما يزعم البعض? هل علي محسن حمى الثورة اليمنية أم احتمى بها من تاريخ غير مشرف كان يلاحقه وأراد أن يمسح جرائمه بماسحة الثورة? هل كان المنقذ أو ” الهادي المنتظر” لثورة شبابية ب?ْحت أصوات شبابها وهم يهتفون كل يوم بسلميتها أم كان مسمارا?ٍ صدئا?ٍ في خاصرة الثورة?..لكن أليس علي عبد الله صالح هو المستفيد الأكبر من انضمام علي محسن أمام الرأي العام الداخلي والدولي? وبذكاء جعل من رواية”الجيش المنشق” فزاعة وورقة رابحة في المساومات المظلمة التي دخلتها الثورة?.

(…..)
لست هنا في معرض النيل من علي محسن? أو التشكيك في دوافع انضمامه وإن كان لي الحق في قراءة التحول الذي تعرضت له الثورة بعد دخوله معترك المشهد السياسي? وكان الأمر بالنسبة لي متوقعا?ٍ في ضوء واقع يمني يعيد إنتاج قواه التقليدية? لكني من ناحية أخرى أجد أن الإجابة على هذه التساؤلات ستجعلنا نعيد تشريح الثورة اليمنية وإعادة تركيبها وفق ما يحلو لنا? شخصيا?ٍ أعتقد أن انضمام علي محسن قد خلق منعطفا?ٍ تاريخيا?ٍ في الثورة لم تكن لنا يد فيه? وحول هذه الثورة البيضاء في الظاهر من مجرد ثورة شعب إلى صراع مستحكم ما بين جبهتين عسكريتين تتجاذبان إدارة الصراع منذ ما قبل الثورة بزمن? م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com